*كادت قاعة الصداقة يوم الخميس (ليلة الجمعة) تتخلى عن اسمها وهي تستضيف حشداً من الانفصاليين ومجموعة من الوحدويين. امتلأت بهم مقاعد الطابق الأرضي والعلوي من القاعة.. قليل منهم جاء للاستماع. أما اكثرهم فيبدو من التجاوب مع كلمات العميد معاش سوركتي وفاروق جاتكوث (قائداً تيار الانفصال في الندوة) أنهم جاءوا للتشجيع دون كثير تمعن أو فهم لوجهة النظر الأخرى. *الصادق المهري بحصافته وخبرته الطويلة علم وهو يعرض بضاعته الوحدوية أنه له يكسب رهاب التصفيق والهتاف في هذا الجو المشحون. فطلب من الحاضرين في مقدمة رصينة, أولاً: أن يعطلوا كل حواسسهم (إلا السمع والبصر), وثانياً: أن يزنوا كلامه بعقولهم ويفكروا فيه جيداً داخل القاعة وبعد مغادرتهم لها.. وقد اجاب الحاضرون إلى طلب السيد الصادق الأول, أما طلبه الثاني فلا أحد يدري هل تركه الحضور وهم يغادرون القاعة أم أنهم سيمارسون فضيلة التفكير ويستعيدون الوعدي الذي منحه الكثيرون إجازة مفتوحة الى ما بعد التاسع من يناير المقبل موعد الاستفتاء. *كان المشهد الجنوبي في القاعة صارخاً في تناقضه ومفارقاته.. فاروق جاتكوث (خريج الجامعة الأمريكية في بيروت) الذي افصح بقوة عن مواقفه الانفصالية, وأعلن عن طلاق بائن بين الجنوب والشمال كان يتحدث بلغة عربية مبينة ويجد تجاوباً منقطع النظير من مجموعة كبيرة من الشباب الجنوبي.. ثم يفطن هؤلاء الشباب الى أنهم استحسنوا حساء الانفصال دون الالتفات كثيراً الى الطبق الذي قدم فيه. *وفي الوقت طفق فيه الدكتور واني تومبي (الوحدوي) يتحث باللغة الانجليزية محذراً من مخاطر الانفصال ومعدداً محاسن الوحدة.. كانت مجموعة من الشباب الانفصاليين يرفعون أيديهم الى السكرتارية في طلب أشبه بالاستغاثة حتى تسعفهم السكرتارية بسماعات تترجم رطانة تومبي الإنجليزية الى اللغة العربية.. سماعات الترجمة قدمت شيئاً من الموضوعية لهؤلاء الشباب ليقاطعوا حديث تومبي بالاستهجان كما فعلوا أثناء الخطاب وفي خاتمته. ولو لم تسعفهم السماعات لكانت مقاطعتهم فقط لأن تمومبي وحدوي. * أما المشهد الأكثر سريالية فهو أن دعوة سوركتي لفصل الجنوب لا تجد أي تعاطف من الانفصاليين الجنوبيين بل تقابل الاشمئزاز وهو ما فعله الانفصاليون الشماليون مع حديث فاروق جاتكوث ..(إنهم مختلفون حتى الفكرة التي يتفقون عليها) هكذا علق ظريف الندوة.