لهف نفسي على السودانيين.. يترقبون حلول العيد بفرح يخالطه الخوف والقلق، ويُودِّعونه بذات الشعور، ولا يأخذون نفس الراحة العميق إلاّ إذا اطمأنوا أن العيد كان مسرة محضة لم تداخلها أخبار الموت الذي ننصب له السرادق من أخطائنا وخيباتنا في هندسة الطرق القومية وضوابط البصات السفرية والقوارب النيلية. إن لم يدرك الموت بعض أهلنا وهم في طريقهم إلى ذويهم لقضاء إجازة العيد، فإنه غالباً سيظفر ببعضهم وهم في طريق العودة إلى مكان عملهم.. يحدث هذا بصورة شبه ثابتة في كل عيد فطر أو أضحى، وكأنه كُتب على أهلنا أن يوشحوا أفراح العيد بدمائهم. انظروا كيف حف الحزن عيدنا الأخير في مقرن النيلين وفي (الدرادر) وعلى طول طريق الخرطوم مدني؟.. ترى هل سيغادر موكب الحزن عيدنا القادم؟!، أم أنه لن يترك عادته ما دام اننا لم نُغيِّر عادتنا: الإهمال، وعدم احترام الحياة. هناك مجهودات.. نعم، ولكنها لم تفلح في خفض الحوادث وتثبيتها عند الخانة الصفرية أو قريباً منها.. فحوادث الموت ترتفع وتنخفض مداً وجزراً بقدر إحترامنا للسنة الكونية التي تقول إن اتباع أسباب السلامة أولى المداخل نحو السلامة. آلة الموت تقتل أهلنا في الشوارع الرئيسية بطريقة شبه مكررة، وتفعل ذات الشئ بهم في عرض النيل، ولا تنجب كل هذه الرزايا خيالاً أو حلولاً تجنَب البسطاء أن يموتوا بالعشرات كما يموت الضأن. لا نطمع من المسؤولين أن يهبوا ليمنعوا الموت عن رعيتهم ومواطنيهم، فالموت هو حكم اللّه في خلقه، وسُنته في عباده، ولكننا نتلهف في أن تتفتق عبقرية الحكومة عن (مسؤول) يجنب أهلنا الغبش الموت بهذه الطريقة الساذجة والرخيصة. ونطمع أن نسمع عن مُحاسبة أو مُعاقبة لأنه من المستحيل أن يموت عشرات المواطنين في ظرف أيام وتقيد هذه الجريمة ضد (مجهول). إن أكبر هدر لقيمة المواطنين المادية والمعنوية هو أن تتركهم الحكومة يموتون على طريقة (الدجاج على ماكينة الشواء) أو (اللحم في المفرمة)، ثمّ تخرج التقارير ولجان التحقيق بأحكام تقريرية بدهية لا تمنع آلة الموت أن تدور دورتها وتفعل فعلتها، من شاكلة أن أسباب الحادث تعود الى التجاوز الخاطئ أو السرعة الزائدة أو القيادة بإهمال، أو عدم صلاحية المركبة للقيادة، أو رداءة الطريق. مساحة أخيرة لصلاح أحمد إبراهيم عن أهلنا وعن (الموت): صدئت آلاته فينا وما زلنا نعافر ما جزعنا أن تشهَانا ولم يرض الرحيل فله فينا اغتباق واصطباح ومقيل