قُدمت هذه الورقة في ندوة نظمها مركز (دراسات الإسلام والعالم المعاصر) بالرياض - الخرطوم في 28 أغسطس 2010 وخلصت الورقة الى أن الأوان قد فات بالنسبة لمسلمي جنوب السودان ككتلة لتطالب بأية مسؤولية تجاه حق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان. غير أن مسلمي جنوب السودان بوسعهم كأفراد وعلى نحو طوعي أن يلعبوا دوراً مهماً في إدارة تقرير المصير عن طريق المشاركة والتنوير والمراقبة والتقييم والتدخلات العلمية والإنذار المبكرمن جانب علماء مسلمي جنوب السودان. والغرض الرئيسي من هذه الورقة تشجيع البحث القائم على المعرفة عن الحواجز التي تعترض الإسلام في الجنوب والتي يمكن أن تجعل أصوات مسلمي جنوب السودان مسموعة حول العديد من القضايا التي تؤثر عليهم. غير أنه ولتفادي سيل من الأسئلة المهمة التي تجول بعقول المشاركين فإن المؤلف يريد أن يبدأ عرضه هذا بتعريف بعض الكلمات. الإستفتاء كلمة الإستفتاء مصطلح غاية في الصعوبة والإربكاك بالنسبة للفهم. فهناك العديد من التعريفات فمثلاً جاء في (قاموس قانون العالم الجديد) 2010 أن الإستفتاء يعرَّف قانونياً أنه إجازة المسؤولية بالنسبة لتشريع ما أو تعديل دستوري أو قضايا عامة أخرى بالنسبة للجمهور قاطبة ليصوت عليه. غير أنه في هذه الورقة فإن كلمة (إستفتاء) تعرَّف بأنها (الحق الذي حفظته لمواطني جنوب السودان اتفاقية السلام التي وقعت في نيروبي بكينيا في 9 يناير 2005 بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان). مسلمو جنوب السودان هم أولئك المواطنون في جنوب السودان الذين ارتضوا الإسلام ديناً، وبكلمات أخرى هنالك مواطنون جنوبيون يستخدمون الثقافة الإسلامية والتقاليد ونظم الاعتقاد الإسلامي ويعترف شفهياً بأنهم ينتمون الى جنوب السودان. ولهذا فإنهم ليسوا دائماً محل ثقة وهم محرومون من أشياء ذات صلة بشؤون الجنوب. وهذه المجموعة يشار إليها عادة من جانب المجتمع المحلي بأنهم ملكية أو جلابة أو نوبة أو فلال. التوزيع ليس بوسع أي فرد في السودان أو في غيره أن يحدد بدقة أعداد مسلمي جنوب السودان. غيرأنه وفقاً للتقديرات فإنهم يشكلون ثلث سكان جنوب السودان. وهذا يعني أن هناك مسلماً واحداً من بين كل ثلاثة جنوبيين وحسب الإحصاء السكاني الأخير المرفوض الذي أُجري في العام 2008 هناك (2.753.497) مسلماً في جنوب السودان (4ر43%) والذين يمكن توزيعهم على النحو التالي ومن هذا الجدول يمكن ان نخلص الى أن أعلى كثافة سكانية لمسلمي جنوب السودان توجد في ولاية جونقلي «5.4%»، تليها وسط الاستوائية «4.4%»، وولاية واراب «9.3%»، وأقل كثافة لمسلمي جنوب السودان توجد في ولاية غرب بحر الغزال «3.1%». غير أن الأكاديميين من مسلمي جنوب السودان في جامعة جوبا قد لاحظوا انه من بين أكبر ثلاث ولايات في جنوب السودان نجد أن أعالي النيل الكبرى «ملكال» تمثل غالبية المسلمين في جنوب السودان، تليها بحر الغزال الكبرى «واو وراجا» على وجه التحديد. وحسبما أورده د. عصام فيما يتعلق بالتغطية الجغرافية للمسلمين في ولاية الاستوائية الكبرى فهم اكثر تشتتاً ولديهم شبكة عمل غير رسمية مع مسلمي المجتمعات الدولية «يوغندا وكينيا» ونتيجة لذلك فإن من الصعب معرفة الفرق بين مسلمي جنوب السودان والمسلمين من يوغندا وكينيا. المهن والوضع الاقتصادي معظم مسلمي جنوب السودان ليسوا من ذوي التأهيل العالي فهم يعملون تجاراً من الطبقة الوسطى ومعلمي مدارس الأساس «يدرسون اللغة العربية والدين الإسلامي» ويعملون في خياطة الملابس وقيادة السيارات وإداريين «غالباً في المنظمات ذات الصلة بالإسلام»، ويعمل عدد مقدر منهم في القوات المسلحة السودانية والقليلون جداً يمارسون السياسة ومعظمهم في صفوف حزب المؤتمر الوطني. وبصفة عامة نجد ان مجتمعات جنوب السودان فقيرة، وتفيد التقارير أن «100%» من سكان جنوب السودان فقراء، وحدوث الفقر في جنوب السودان «50.6%»، ولكن إذا قارنا المسلمين وغير المسلمين فإن وضع المسلمين أفضل قليلاً عن غير المسلمين، غير أنه وفي أعقاب إتفاقية السلام الشامل وعند تأسيس حكومة جنوب السودان فإن المسلمين أصبحوا طبقة أدنى، فقد فقدوا الكثير من أصولهم وأعمالهم حين ظهر أناس اكثر قوة اقتصادية وطالبوا بأصولهم بعقود مجحفة. ومتوسط الدخل للمسلمين في جنوب السودان حالياً هو «350» جنيهاً، بينما نسبة الإتكال بين مسلمي جنوب السودان مرتفعة «10:1» وذلك بسبب الفساد والمحسوبية والتمييز الديني في نظم الحكومة في جنوب السودان. وإذا وضعنا في اعتبارنا حقيقة ان استهلاك الفرد في الشهر في أعالي النيل الكبرى «165» جنيهاً سودانياً «غير الفقراء» و«40» جنيهاً سودانياً «للفقراء»، وبحر الغزال الكبرى «37.149» جنيهاً. والإستوائية الكبرى (371ر14) جنيهاً سودانياً على التوالي وإذا وضعنا في الاعتبار دخل الفرد المسلم وإنفاقه يتضح لنا دون شك أن المسلم الجنوبي فقير. وذلك نسبة لأنه وبتحليل بسيط للتكلفة بالنسبة للمسلمن الذين يعيشون في أعالي النيل الكبرى فإنه من المتوقع أن ينفق أو يستهلك أكثر من (056ر1) جنيهاً سودانياً في الشهر وأولئك الذين في الإستوائية الكبرى ينفقون (037ر1) جنيهاً في الشهر. المؤسسات الإسلامية في جنوب السودان توجد العديد من المؤسسات والأصول الإسلامية في جنوب السودان المملوكة والتي إذا كانت تدار بطريقة جيدة من المسلمين أنفسهم يمكن أن تأتي بنتائج إيجابية على التنمية الإجتماعية والاقتصادية والسياسية في جنوب السودان، إلا أن المفارقة هي أن المسلمين ومنذ زمن لا يمكن تذكره كانوا يشاركون في هذه المنظمات الإسلامية دون إحساس بالملكية. والمواطنون في الجنوب يعتبرون الأصول الإسلامية تخص الحكومات الإسلامية المتعاقبة في السودان أو أنها منح من العالم العربي للسودان. وعلى ضوء هذا الفهم فإن مسلمي جنوب السودان ليست لديهم أصول أو مؤسسات ولا حتى مدرسة أو مركز صحي والذي يمكن أن يعتبره المواطنون الجنوبيون وحكومة الجنوب ينتمي للمجتمع المسلم في جنوب السودان. تمثيل المسلمين الجنوبيين في المؤسسات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية في جنوب السودان تمثيل مسلمي جنوب السودان في جميع جوانب الحياة في جنوب السودان يمكن القول إنه غير ذي بال. ومن الناحية الاجتماعية يمثل مسلمو جنوب السودان أنفسهم دون شكوى من المجتمع في جنوب السودان بسبب دورهم في الأسواق وفي الحضارة أي أن ثقافة مسلمي جنوب السودان ذات تأثير كبير في جنوب السودان غير أن تقاليد المسلمين غير مستحسنة من حكومة جنوب السودان في المؤسسات الحكومية والإقتصادية في جنوب السودان. ويمكن القول بأن مسلمي جنوب السودان غير ممثلين بطريقة ما. وهذا يعزى الى خلفيتهم الدراسية والى مؤهلاتهم. فمعظم المسلمين الجنوبيين خريجو الجامعات الإسلامية ومعظمهم متخصص في الشريعة والدعوة والدراسات الإسلامية واللغة العربية والتدريس. وباختصار فإن مؤهلات مسلمي جنوب السودان لا تتوافق مع سياسات حكومة جنوب السودان وسوق العمل في جنوب السودان. ? أستاذ الإحصاء المشارك ومدير مركز التعليم عن بعد بجامعة جوبا