لماذا تصمت القوى السياسيّة في هذا التوقيت الحرج من عُمر السودان؟، أين السيدان؟، وما موقف القوى السياسية المعارضة من قضية الوحدة وترتيبات ما بعد الاستفتاء؟، ولماذا يظل الحوار قاصراً على الصقور داخل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول قضايا تتصل بمستقبل الخريطة والهوية؟، أين (المنطقة الوسطى) التي بإمكانها أن تحافظ على التوازن المفضي لوحدة طوعية أو انفصال سلس..؟! غياب الأحزاب عن المشهد السياسي هو الذي نزع عنه الاعتدال والحياد، وترك الوحدة والانفصال كرة لهب تتدحرج على طاولة الشريكين، دون أدنى إحساس لدى الآخرين بالرغبة في المشاركة من منطلق المسؤولية الوطنية التي تقتضي أن يتسامى الجميع فوق الخلافات والأجندة. الساحة السياسية تحتاج إلى أصواتٍ عاقلةٍ تحفظ توازن المد المتأرجح بين الوحدة والانفصال، وتدفع بمرافعات محايدة تستصحب المخاطر التي يمكن أن تحدثها التصريحات المفخخة، البلاد تحتاج الآن لمواقف عاقلة ومتوازنة تستجيب لتحديات ماثلة تقول إنّ أزمة الشريكين حول قضايا الترسيم وأبيي وترتيبات الاستفتاء توشك على وضع البلاد برمتها داخل برميل بارود. ويبدو أن القوى المعارضة الرئيسية مازالت تضع خاطراً لتحالفاتها مع الحركة الشعبية التي تخاطر بمصير الوطن الآن، فتحالف جوبا الذي تشرف الحركة على هندسة الكثير من مخرجاته صار كياناً كسيحاً الآن حينما أصبح الهَم ل (الوطن) لا (التكتيك) السياسي ولعبة المصالح، وكان بإمكان هذا التحالف أن يكون جسراً بين الشريكين، لكنه اختار أن يكون أداةً للحركة بعد أن استخدمته كثيراً في حسم ملفاتها مع المؤتمر الوطني. ولم يعد الأمر غريباً أن تقذف الحركة بالتحالف في أقرب سلة مهملات ولا تراعي له خاطراً وهي تتنكر لتحالفاتها مع القوى الشمالية بالدعوة المتكررة للانفصال في سلوكٍ لم يُراعِ مشاعر الحلفاء القدامى. السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) ما زال يتحدث كثيراً عن موقف حزبه الداعم لوحدة السودان دون أن يكلف نفسه عناء البقاء على الأقل في الخرطوم لمراقبة الموقف عن كثبٍ والدفع بآرائه في قضية مستقبل جنوب السودان، وما زال الحزب الاتحادي يُوقِّع في دفتر الغياب في مرحلة مهمة جداً كنا نحتاجه فيه جسراً بين الشمال والجنوب. السيد الإمام الصادق مازال سلبياً في تعاطيه مع الأزمة الراهنة، فالرجل صاحب أفكار ليس هنالك وقت كافٍ لتنفيذها، و- باستثناء - مناظرة الانفصال فقد خلا برنامجه أو أجندة حزبه من أيِّ لقاءات أو ندوات أو أنشطة تَتَعامل مع الموقف الراهن، وكنا ننتظر أن يكون أكثر مضاء في استغلال علاقاته السياسية وواجهاته وقياداته في الترويج لمنطقة وسطى تنزع فتيل الأزمة الماثلة بين الشمال والجنوب. كان واضحاً أن مقترح الصادق بالقمة العشرية جاء من باب (أنا اقترح أنا موجود) ولكنه افتقر الى امكانية جعله مقترحاً مقبولاً. أتمنى أن لا تكون ثأرات الماضي سَبَبَاً في إحجام هذه القوى السياسية عن تقديم (روشتاتها) للتعامل مع الموقف، فالمؤتمر الوطني يقف الآن وحيداً في الساحة، منافحاً عن مستقبل الخريطة المهددة بشبح الانقسام وهذا تقصير لن يسامح التاريخ عليه أحد، فالانفصال سيرتّب على الوطن وليس (الوطني) فاتورة باهظة الثمن..!