وضعت الحرب اوزارها في جنوب السودان بعد قتال واقتتال استمر لربع قرن الا قليلاً.. وخلال العشرين عاماً الماضية لم يكن دوي المفرقعات يتناهي إلى الأسماع الا في المناسبات ولم تعرف العاصمة حوادث دوي الانفجارات ، لتأتي الاتفاقية «اتفاقية نيفاشا» وكان الاعتقاد سيادة الهدوء والطمأنينة والسكينة ، ولكن ما برحت الحركات المسلحة مواقعها متجهة الى الخرطوم، الا وبارحت السكينة مضاجع بعض سكان الخرطوم .. وظن البعض بأن الاتفاقية نقلت الحرب من احراش الجنوب الى قلب العاصمة التي شهدت اوساطها واطرافها احداثاً مؤسفة سببها «افرازات السلام» كما يقولون.. وبات دوي المتفجرات الحية مشاهد متواترة في العاصمة... والقرانيت مشهداً مألوفاً في شوارعها.. «الرأى العام» فتحت ملف « المتفجرات في الخرطوم» على خلفية الاحداث المؤسفة الذي كان القرانيت بطلها والتقت بالسلطات الامنية والمواطنين في أكثر المناطق المعرضة لاخطاره. ............................................................................. في احدى احياء امدرمان تعرضت مجموعة من الشباب لجروح اثر إنفجار قنبلة يدوية «قرانيت» ولقى حاملها حتفه وتعود تفاصيل الحادث الى نشوب مشاجرة بين اشخاص ومن بينهم احد المنسوبين للقوات المسلحة الذي اخرج القنبلة مهدداً خصومه الا أن الفتيل انتزع من موضعه لتنفجر القنبلة.. لم يكن حادث مقتل احد ضباط الشرطة ايضاً في مدينة امدرما ن مثل بقية الحوادث حيث تختلف في تفاصيلها إذ حاولت الشرطة القبض على أحد الاشخاص بتهمة اختطاف فتاة الا انه قاوم الشرطة مستخدماً قنبلة يدوية التي اصابت عدداً من رجال الشرطة مما ادى الى مقتل ضابط. مصادر شرطية اشارت الى تواجد القنابل اليدوية بكثافة لسهولة اخفائها ولكن استعمالها غالباً ما يتم في حالات أقل ندرة. مشاجرة دموية لم يكن الأمر أكثر من مجرد مشاجرة بسبب مطالبة سائق الركشة الذي كان يحمل اربعة من الاشخاص بأجرته كاملة الا انهم رفضوا المبلغ الذي طالبهم به فتحول الحديث الى شجار واشتباك وفي الاثناء تدخل عدد من المواطنين لفض الاشتباك ليخرج أحد الركاب قنبلة قرنيت ويلقيها وسط الجمع لتأتي النتيجة اصابة «12» شخصاً .. كانت تلك اولى حوادث القرنيت التي نبهت الى وجود خلل في ضبط الاسلحة والمتفجرات بعد توقيع الاتفاقية وتدفق اعداد كبيرة من المليشات المسلحة الى الخرطوم وباتت المتفجرات في متناول الأفراد خلال حراكهم اليومي.. وتستخدم في اقل احتكاك بين المواطنين وأفراد المليشات. وسجلت منطقة مانديلا اكثر الاحداث دموية بعد تفجير احد المنسوبين للقوات المشتركة قنبلة قرانيت في مناسبة اجتماعية أثر مشاجرة عادية لا ترتقي لاستخدام العصي دعك من المتفجرات لتؤدي الى مقتل ستة مواطنين وجرح ما لا يقل عن«37» شخصاً. تلك الحوادث تركت المواطنين يتوجسون خيفة من اي تجمع او اي احداث وصاعد من الشعور بالخوف في أوساط المجتمع الذي كان يعيش في أمن وسلام حتى ايام الحرب الاكثر امتداداً في تاريخ افريقيا وبالرغم من الجهود المبذولة من الاجهزة الامنية لتجفيف مثل هذه الاسلحة من العاصمة لجعلها عاصمة خالية من الاسلحة، الا ان حادث سوبا الاراضي الذي راح ضحيته ثلاثة اطفال ترك علامات الاستفهام عما أسفرت عنه حملات تفتيش الاسلحة وخلال زيارتنا لأسرة الاطفال الضحايا تحدث الينا عدد من المواطنين عن الرعب الذي تعيش فيه الاسر في المنطقة وقال احد المواطنين بأن المنطقة تعج بأفراد المليشات وهذا ما يجلب الخوف خاصة ان الحادث الذي كان ضحيته الاطفال الثلاثة لم يكن الاول من نوعه لقد وقع في نفس المكان حادث مماثل ولكن لم يسفر عن خسائر بشرية كما ان اطفال المدارس ىأتون باجسام غريبة ملقاة امام المدارس التي تجاور المساحات الخالية. واضاف بأن افراداً من أبناء الجنوب يأتون الى هنا ومعهم اسلحة ولا يجدون من يمنعهم ونطلب من الاجهزة الأمنية ايقاف هذا العبث الذي يهدد ارواح المواطنين. وأبدت احدى المواطنات تخوفها على ابنائها بعد الحادث وقالت بأنها تفكر في الارتحال من هذه المنطقة التي تعج بالاجسام الغريبة وبما ان المواطنين يجهلون ماهيتها ربما يتعرضون للمخاطر ويحاولون العبث بها - وفي منطقة السلمة بجنوبالخرطوم هز المنطقة انفجار عنيف حدث بأحد المنازل وتمت احاطة المنزل عن طريق الاجهزة الامنية وتم العثور على عبوات ناسفة جاهزة للتفجير تم ضبطها داخل صناديق خشبية ولم يسفر الحادث عن اصابات وكذلك تم العثور علي متفجرات بمنطقة الحتانة شمال الخرطوم. سيناريو قاتل الملاحظ ان الخرطوم في وسطها واطرافها تتعرض لخطر ظاهرة القنابل اليدوية «القرانيت» طفحت على السطح في الاونة الاخيرة - اي بعد توقيع«نيفاشا» المواطن يضع يده على قلبه متحسباً في اي لحظة من تكرار السيناريو القاتل بالسلمة وسوبا الاراضي والحتانة ويقول الاستاذ محمد سعيد معلم بمرحلة الاساس بأن الامر لم يعد محتملاً خاصة بأننا نقرأ كل صباح عن حادث وقع في الخرطوم او في مايو او في سوبا مما يجعل الواحد منا يفكر جلياً في ترك العاصمة التي لم تعد آمنة. ويشاركه الرأي عوض سيدأحمد مواطن يقيم في الكلاكلة بقوله أنا اتوقع في اي لحظة ان تنفجر امامي قنبلة وما حدث في سوبا ليس ببعيد عن الاذهان حيث حاول بعض الاطفال اللعب بجسم غريب أمام منزلهم وانفجر فيهم أودى بحيواتهم ما ذنب هؤلاء الابرياء. احد المواطنين بسوبا الاراضي قال بأن المنطقة تعاني من عدم الاستقرار ففي كل يوم نسمع بالعثور على قنبلة يدوية ملقاة في الشارع. وعن مصادرها يجيب قائلاً: انها المليشات التي جاءت بعد الاتفاقية يفتعلون المشاكل يومياً وهم في حالة سكر ولا نستبعد ان تتكرر مثل هذه الحادثة التي أودت بالاطفال الابرياء في ظل التجاهل الامني في المنطقة وأقول لك صراحة بأن المناطق الطرفية أكثر عرضة لمثل هذه الاسلحة التي لم نكن نسمع بها دعك من ان نراها وعلى حملات التفتيش ان تطال كل المناطق الطرفية خاصة التي تكثر فيها المليشات ووضع ضوابط لتحركاتهم وعدم اعتراضهم للمواطنين. مجهودات الأمن وفي ذات المنحى بذلت السلطات الأمنية في ولاية الخرطوم جهوداً جبارة في حملات جمع السلاح بكل انواعه وتمكنت من ضبط اعداد كبيرة منه ولكن بالرغم من ذلك لم تستأصل ظاهرة القنابل اليدوية من الوجود في العاصمة ولمعرفة الرأى الرسمي وكيفية تخفيف الظاهرة والعوامل التي ساعدت على بروزها. اكدت مصادر شرطية بأن المناطق الطرفية كانت عرضة لمثل هذه القنابل لتواجد افراد من المليشات المسلحة الا أن الشرطة في حملاتها الاخيرة استطاعت تجفيف القرنيت في تلك المناطق خاصة منطقة سوبا الاراضي التي كانت تعاني من مثل هذه الاسلحة الان نستطيع القول بأنها اصبحت الان خالية من هذه الاسلحة ويجيب البروفيسور الزبير بشير طه وزير الداخلية السابق قائلاً : نوعية ونمط الجريمة في الآونة الاخيرة بعد اتفافية السلام اخذت شكلاً جديداً ودخلت ادوات غير مألوفة وغير متوقعة وهي القنبلة اليدوية واعتقد بأنها افرازات السلام ويجب ان نتحملها ولابد أن تكون هناك ضريبة مقابل هذه الاتفاقية واضاف بأن هناك وجوداً عسكرياً ولدينا قوات مسلحة منذ عشرات السنوات ولكن ظاهرة القنبلة اليدوية ظاهرة حديثة. وعن طرق تجفيفها اجاب : هناك حملات جمع السلاح أتت بمردود ممتاز وما زال العمل مستمراً فيها وهناك تنسيق واتفاق بينهما وبين وزارة الشرطة والامن في الجنوب تشمل التزويد بالمعلومات. توعية الصغار الوضع حقيقة يتطلب توعية تلاميذ المدارس وتعريفهم بأشكال وانواع المتفجرات وخطورتها وأنه اذا عثر احدهم على جسم غريب فعليه أن يتفادى لمسه او التقاطه والتبليغ عنه .. كحملات التوعية بالالغام والاجسام المتفجرة التي تقودها بعض المنظمات والجهات الرسمية العاملة في هذا المجال بشرق البلاد حيث تم تعريف اطفال المدارس بالالغام واشكالها واسمائها وخطورتها مما كان له مردود ايجابي في انخفاض عدد ضحايا الألغام، خاصة بمدينة كسلا وضواحيها.