منذ أكثر من أسبوعين، وكرة الثلج التي ألقى بها القيادي في صفوف المؤتمر الوطني د. كمال عبيد وزير الاعلام في برنامج مؤتمر إذاعي بفقدان المواطن الجنوبي الموجود في الشمال لكافة حقوق المواطنة حال الانفصال، تواصل التدحرج والنمو المطرد دون أن تصل الى القاع والذي يبدو - بناء على ردات الفعل المستمرة- بعيداً للغاية. تصريحات د. عبيد المغلظة التي أشار فيها أن المواطن الجنوبي لن ينعم بالمواطنة حال الانفصال لدرجة عدم التمتع ولو ب (حقنة) علاجية في مستشفيات الشمال تلقفها أبناء الجنوب بكثير من الجزع والانزعاج في الضفة المقابلة، ساند ذات التصريحات عدد مقدر من أبناء الشمال باعتبارها تجعل الجنوبيين على بصيرة من أمر خيارات الاستفتاء كما أنها تسلط الضوء على أهمية إمساك دولة الشمال بملف أيواء مواطني دولة -سيجعلها الانفصال- جارة، ومنسوبيها خاضعين لقوانين وسلطة الدولة التي تستضيفهم وفقاً لنصوص القانون الدولي. .... وبعيداً عن لغة الإفراط والتفريط، نما تيار موضوعي يقول بإحترام وتقدير أبناء الجنوب الموجودين في الشمال، مع التأكيد على خصوصية أوضاعهم حال حدث الانفصال. أبرز قادة ذلك التيار الأستاذة بدرية سليمان - أمين الأمانة العدلية بالمؤتمر الوطني - ود. محمد مندور المهدي نائب رئيس الحزب بولاية الخرطوم الذي قال: الجنوبيون في الشمال محل تقدير وإحترام غير أنه وحال الإنفصال؛ فهذا يعني تلقائياً ذهاب المواطنة عنهم، بينما حقوقهم الأخرى سيتم النقاش حولها، وأكد بأن هناك وسائل مختلفة لضمان قضايا الوجود الجنوبي على مستوى الشمال. حديث د. مندور ل (الرأي العام) تعدى اطاره النظري ليدخل في فضاءات (البيان بالعمل) حينما أزاح النقاب عن مشاورات تجري داخل لجان الشراكة لمعالجة القضايا الخلافية وعلى رأسها المواطنة وبالتالي إدارة حوار عقلاني هدفه إيجاد معالجات عادلة لأوضاع الجنوبيين في الشمال حال أسفرت نتيجة الاستفتاء عن انفصال الجنوب. وهناك عدد من الخيارات المتاحة أمام دولة الشمال لأجل توفيق أوضاع أبناء دولة الجنوب بما يسمح للأخيرين بالتحرك في فضاءات الشمال حال الانفصال وذلك بمستوى أربعة أصعدة مهمة وحساسة، يمكن مناقشتها كالتالي: الأجهزة النظامية لأهمية أمر المؤسسة العسكرية، أفرد الشريكان لجنة متخصصة للنظر في أمورها بعد مرحلة الاستفتاء وذلك بغض النظر عما تسفر عنه النتائج. ولكونه معلوماً بالضرورة أن عملية الاستفتاء ذات وجهين، أفاد الفريق سلفا ماتوك رئيس لجنة الترتيبات الأمنية من جانب الحركة (الرأي العام) بأن اللجنة قاربت على الانتهاء من أعمال الترتيبات الخاصة بوضعية الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية حال الوحدة وتوقع أن تنخرط - ذات اللجنة- وإبتداء من يوم غد الاثنين بمدينة جوبا في مباحثات لبحث الترتيبات الخاصة بوضعية الأجهزة النظامية حال الانفصال. وأشار ماتوك لإعدادهم ورقة خاصة عن وضعية الشماليين في الجيش الشعبي (أبناء المسيرية وجبال النوبة) حال ذهب الجنوب حال سبيله. ولم يصدر من المؤتمر الوطني اي حديث علني عن اوضاع الجنوبيين في القوات النظامية، ولكن ومن واقع الحساسية التي تكتنف عمل القوات النظامية فيبدو ان هذه الشريحة ستتم معالجة أوضاعها بسرعة، ويبدو عسيراً التوقع بأن تمضي أمور هذه الشريحة كما كانت قبل الانفصال. غير أن للواء د. محمد العباس الأمين أستاذ العلوم الاستراتيجية، والضابط السابق في صفوف القوات المسلحة وجهة نظر مغايرة تنبني على أساس التجربة السودانية المصرية وتقضي بتخيير العسكريين الجنوبيين بالاستمرار في خدمة دولة الشمال من عدمه، الى جانب النظر في مسألة إدماج الكتائب الشمالية داخل الجيش الشعبي في صفوف الجيش السوداني. وأكد العباس ل (الرأي العام) أن القوات المسلحة قادرة وبما تمتلكه من تقاليد عريقة على تحصين نفسها من العملاء، والعملاء المزدوجين. الدبلوماسيون وعن توفيق أوضاع أبناء الجنوب العاملين في السلك الدبلوماسي نجدها معالجة ذات شقين: الشق الأول متعلق بدبلوماسيي الحركة الشعبية الذين دخلوا للوزارة الرفيعة من بوابة إتفاقية السلام الشامل وهؤلاء ستنتهي خدمتهم مع انتهاء صلاحية الاتفاقية أي بعد ستة أشهر فقط من تاريخ الاستفتاء حالهم في ذلك حال البرلمانيين عن الحركة. أما الشق الثاني فيضم بقية الجنوبيين، غير المنتمين لحركة تحرير السودان والذين يحتاج توفيق أوضاعهم بحسب ما أدلى به السفير السابق د. الرشيد أبوشامة الى تعريف المواطنة قبل أي شىء، وبالتالي إذا منحوا الجنسية المزدوجة فإنه يخول لهم الاستمرار في ذات مناصبهم شريطة التعامل بجنسية دولة الشمال فقط ما عدا ذلك فإنه يستحيل عليهم تمثيل دولة الشمال في المحافل الخارجية حسب العرف والتقاليد المعمول بها. الخدمة العامة والقطاع الخاص وبحسب آخر إحصاء سكاني فإن عدد الجنوبيين في الشمال يصل زهاء ال (480) الف فرد، أما الأحصائيات غير الرسمية فتشير الى ضعف هذا العدد، بل وتصل في بعض الأحايين إلى (3) ملايين نسمة. ويعمل عدد مقدر من أبناء الجنوب في قطاع الخدمة المدنية ولكن وبحسب اقتصادي تحدث ال (الرأي العام) فإن توفيق أوضاع تلك الشريحة سهل جداً حال الانفصال، اذ يمكنهم الانتقال للدول الجديدة (دولة الجنوب) للعمل في ذات مناصبهم أو بمناصب أخرى. موازية وأكد أن دولة الجنوب في حاجة ماسة لتلك الشريحة والكفاءات المؤهلة بوصفها النواة في مجال الخدمة المدنية في الدولة حديثة التكوين. في المقابل، يكمن التعقيد الاقتصادي في وضعية الجنوبيين المالكين لاستثمارات كبيرة في الشمال(من الواضح ان عددهم قليل) فضلاً عن أولئك العاملين في القطاع الخاص حيث يعني عدم حصولهم على الجنسية المزدوجة أو التمتع بمبدأ الحريات الأربع معاملتهم كأجانب، وربما تضطر الشركات الشمالية للاستغناء عن خدماتهم. وفي ذات فلك إنتظار التفاهمات السياسية، أكد السر سيد أحمد الخبير الاقتصادي في حديثه مع (الرأي العام) أن الوضع القانوني لأبناء الجنوب حال الانفصال سيكون المحدد الرئيس لشكل المعاملة التي سيلقونها. وقبل مبارحة تلك الخانة، تجدر الاشارة الى أن الرئيس البشير تعهد بعدم طرد جنوبيي الشمال حال الانفصال وقال: لن تتعرض حقوقهم الاقتصادية للخطر. التعليم وفي محور التعليم استبق د. بيتر أدوك وزير التعليم العالي، الاستفتاء بالتأكيد على استمرار العمل في نقل جميع كليات جامعات جوبا وبحر الغزال وأعالي النيل إلى الجنوب قبل مطلع العام المقبل. ودعا الوزير في حديث مع راديو (مرايا اف أم) لاستخدام اللغتين العربية والانجليزية واسقاط المواد ذات المحتوى الديني. ويتمتع الجنوبيون بالخدمات التعليمية في ولايات الشمال وعلى رأسها الخرطوم ولهم حوالي (30) مدرسة خاصة بهم (بجانب الجامعات آنفة الذكر)، كما ويمكنهم الدراسة في كل المؤسسات التعليمية (حكومية وخاصة) ويسمح لهم بتلقي دروس في الدين المسيحي سواء في مدارسهم أو الكنائس المنتشرة في البلاد والتي تذهب بعض التقديرات الى أنها حوالي (30) كنيسة. بيد أن لنائب رئيس البرلمان سامية أحمد محمد وجهة نظر متصلبة أشارت بها في حوار للزميلة (آخر لحظة) وتقول:« إذا كان هناك طالب شمالي يدرس في إحدى الجامعات الجنوبية وحدث الانفصال، فلابد له أن يأخذ تأشيرة عبر جوازه إذا أراد الذهاب لمواصلة دراسته، فهذا شيء طبيعي في وجود دولة أخرى» ما يعني أن العكس صحيح. ومع تأكيدات أدوك وتصلب رأي سامية يمكن لدولتي الشمال والجنوب الوصول الى صيغة وسط تحفظ لأبناء الشطرين حقهم في أكمال سني دراستهم ولو من بوابة القبول الأجنبي وما يعرف بنظام التبادل والمنح الدراسية وذلك لحين قيام نظام تعليمي متكامل في الجنوب. الحسم داخل اللجان ويضرب شريكا الحكم في البلاد بسياج محكم على مباحثات لجان ما بعد الاستفتاء، وذلك بالرغم من التسريبات التي تخرج للسطح بين فينة وأخرى. وبدا التكتم جلياً في ردود عدد من المسؤولين على استفسارات الصحيفة عن مسألة توفيق أوضاع جنوبيي الشمال بتأكيدهم على استحالة الكشف عما يدور في مطابخ لجان ترتيبات الاستفتاء. على كلٍ، تبدو قضية ترتيب أوضاع الجنوبيين في الشمال معقدة وملحة وترمي بظلالها على كثير من المسائل ما يستدعي إغلاق ملفها - كما قضية الحدود- قبل الاستفتاء، والخروج بحلول وسط قادرة على انتزاع رضا الجميع .. لا انتزاع حقوقهم.