... في الأسبوع الماضي برزت عناوين كبيرة، لكل عنوان دلالته ومغزاه.. وأهم هذه العناوين تبنى قائد الحركة الشعبية القائد سلفا كير ميارديت (الرطانة) الانفصالية، وهذا بالضرورة ما يقود لتبني الحركة الشعبية لتلك الرطانة.. وكنا في مقالنا السابق قد أشرنا لقاعدة علم الإجتماع أن (الناس على دين ملوكهم) وقد تبنت قطاعات كبيرة من الحركة الشعبية هذه الرطانة الإنفصالية من خلال المؤتمر العالمي الذي عقدته أمريكا في نيويورك. وهو أشبه بالمؤتمر الذي سبق غزو العراق.. لأن ذلك المؤتمر كان يستهدف الاعداد للحملة الدبلوماسية الضارية ضد العراق، حيث بدأ ذلك المؤتمر بزخم واحد واربعين دولة مثلت في ذاك المؤتمر. وفي مؤتمر نيويورك الأخير، حشدت أمريكا فيه أيضاً واحداً واربعين دولة حتى يتم تهيئة هذه الدول للخط الإنفصالي.. وحتى يقول سلفا كير ما يرضي أمريكا.. ورغم أننا نشيد بما قاله أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.. وما قاله الرئيس الشجاع (ملّس زيناوي).. وما قاله رئيس وفد السودان الأستاذ علي عثمان محمد طه.. إلاَّ أن الحقيقة تبقى في أن أمريكا بذلك المؤتمر أعدت المسرح العالمي للإنفصال. وأن المؤتمر كان منصة لتهيئة الرأي العالمي لولادة دولة انفصالية وإنعزالية في جنوب السودان. ..... تصريحات سلفاكير ويبقى أن نقول إن هذا هو أول نقض لميثاق (نيفاشا)، والذين يتكلمون عن نقض العهود والمواثيق عليهم أن يعلموا ان نقض المواثيق بدأ في أمريكا.. وبمباركة أمريكية وبمبادرة من (سلفا كير).. لأن نيفاشا تتكلم عن الوحدة الجاذبة.. وتتلكم على أن الطرفين يجب أن يعملوا لتحقيق الوحدة الجاذبة.. ولكن ها هو الرئيس سلفا كير ومن طرف واحد يقول إنه سيدعو إلى دولة إنفصالية وسيصوت للإنفصال.. وبذلك أصبح الخط الرسمي للجنوب هو الإنفصال. ولكن كذلك هناك نقطة اخرى مهمة هي تصريحات القائد سلفا كير حينما عاد للسودان بإعلانه أن الجنوب ربما يعلن الإنفصال من جانب وأحد.. وسواء أكان ذلك باستفتاء (ملعوب) و(مضروب) أو كان ذلك من خلال المؤسسات (الملعوبة) و(المضروبة) القائمة الآن في الجنوب.. وفي الحالتين فاننا نبارك قول قيادة المؤتمر الوطني بأنها لن تعترف بالنتيجة إن لم تجيء وفق الشروط والترتيبات والمطلوبات التي نصت عليها اتفاقية نيفاشا، من ترسيم الحدود وحسم أمر المواطنة والعملة والديون وابيي. ونقول كذلك إن عدم الإعتراف بالنتيجة لا يعني عدم التعامل مع الأمر الواقع.. فالآن العالم كله يعترف بالدولة الصومالية في مقديشو.. ولكن هذه الدولة الصومالية في مقديشو لاتملك إلاَّ بضعة كيلومترات.. بينما حركة الشباب الاسلامي تسيطر على مساحة ثلثي الصومال.. وكذلك فالعالم رغم أنه لا يحترم ولا يعترف بشمال الصومال.. ولا يعترف ب (هارغيسا) إلاَّ أنه يتعامل مع شمال الصومال ويعترف ب (هارغيسا) وجمهوريتي أرض الصومال وبونتلاند. ونحن نقولها بالصوت الواضح إن حكومة السودان يجب أن لا تضيع درهماً واحداً في استفتاء مزور أو مضروب. ولا تضيع درهماً واحداً في استفتاء ملعوب ولم يستكمل مطلوباته.. كما ان على الحكومة أن لا تضيع درهماً واحداً في سبيل تنفيذ السياسة الصهيونية والأمريكية التي خطها رجال معادون للسودان من امثال (سوزان رايس) و(بندر قاست) واللوبي الصهيوني والأسود. الأمر الواقع ولكن ذلك لا يعني أن السودان سوف لا يتعامل مع الأمر الواقع.. بل نعتقد أن مصلحة السودان ان يتعامل مع الأمر الواقع وأن لا يعترف بالدولة الجديدة.. ذلك لأن الجنوب يمثل الآن دولة شبه منفصلة.. ولكن هناك اتفاقيات تربط الجنوب بالسودان.. كاتفاقيات قسمة البترول والسلطة والثروة.. لذلك فلنجعلهم يقيمون دولتهم من جانب وأحد ولنستمر نحن في العمل بالاتفاقيات المتولدة من صلب اتفاقية نيفاشا والمتعلقة بالاتفاقيات الست ونلتزم بتطبيقها إلى أن يتم الاتفاق على استفتاء قانوني وحر وشفاف ونزيه وبمراقبة دولية واقليمية ووطنية.. ولنجعل من يريد القفز في الظلام أن يقفز في الظلام.. وحتى أن قفز في الظلام فإن ذلك لن يخرج الدولة المركزية عن طورها.. ولن يخرج الرئيس البشير عن طوره.. لأن القفز في الظلام سيكون فقط في اتجاه الجنوب ولن تتأثر بها الدولة المركزية التي طالما أعلنت أنه لا عودة لمربع الحرب.. ولن تتحرك الجيوش لرد الانفصاليين.. ولكن الانفصاليين سيجدون أنفسهم مقيدين بالتعلق بالخرطوم والتوجه إلىها حتى وإن قامت دولة جنوبية وحتى إن أصبح لهم مقعد في مجلس الأمن وبعض السفارات هنا وهناك.. وبعض التحركات من جيشهم هنا وهناك.. وهذا يستلزم من الدولة المركزية الاستعداد منذ الآن لتأمين الحدود بوضع استراتيجية عاجلة تمكن الجيش من الانتشار على طول حدود 1956م، في مقابل دعوة سلفا كير لقوات الأممالمتحدة في الانتشار على تلك الحدود، ونتوقع إذا استجابت الأممالمتحدة لطلب سلفاكير بحراسة الحدود أن توزع في المناطق التي يختارها سلفاكير وليس في حدود 1956م. النخب الجنوبية والنخب الجنوبية ستظل في الخرطوم.. وهناك (25%) من شعب الجنوب العامل والقادر والفاهم والمشكل من كل قبائل الجنوب، وهذه النخبة والاقلية المبدعة والتي لا يمكن الاستغناء عنها.. وهي الأقلية المبدعة التي كانت وراء حرب الجنوب.. إذاً، هذه الاقلية المبدعة ستظل تحتفظ بأوضاعها وامتيازاتها ولذلك حتى وان لم ترفض علانية فانها لن تؤيد علانية قيام دولة الجنوب وسيظل وضعها ملتبساً.. ولعل هذا من مصلحة الدولة المركزية. الأمر الثاني، أن الاتفاقيات السارية ستمكن الحكومة من المضي بمشروعها التنموي لأن (نيفاشا) ستظل بالنسبة للحكومة سارية.. ولن تستطيع الحكومة الجنوبية إيقاف ضخ البترول لسبب بسيط.. لأن هناك الآن (طنطنة) وسط (النوير) أن (المندكورو) و(الدينكا) يتقاتلون حول بترول (النوير).. ولذلك إذا حاولت قيادة الحركة الشعبية عرقلة تدفق البترول فإن ذلك سيؤدي إلى حرب (جنوبية - جنوبية) حول البترول يكون اساسها (النوير) و(الدينكا).. وسيظل البترول كلياً أو جزئياً يتدفق بما يكفي الشمال.. ولن يكون هناك أي (بنس) يذهب إلى الجنوب، وربما تلجأ الحكومة في الشمال إلى وضع حساب جديد باسم الجنوب إلى ان تتضح الأمور في الجنوب.. وتكون حظوظ الجنوب في هذا الحساب محفوظة تحت حساب قائم بذاته. في الظلام لذلك فإن القفزة في الظلام ستجبر الجنوبيين على التعامل مع الشمال، لأن الجنوب يعتمد على الشمال بأكثر من (90%) على ميزانية البترول.. ولن تنفعهم حينها ال (40) دبابة (55) ولن تنفعهم غيرها من الخروج من هذا المصير السيء والحسابات الصعبة والخاطئة.. ولكننا في ذات الوقت الذي نشير فيه إلى هذه الواقعة لايسعنا إلاَّ أن نمد ايدينا الى الرئيس البشير ونقول ان السودانيين يحبونه لأن فيه رائحة السودان وروحه وعزته وأخلاقه.. والسودانيون لن ينتخبوا أبداً اشخاصاً مثل عرمان وخليل وعبد الواحد لأنهم يستغلون الروح السودانية والولاء للقومية السودانية، والتراب السوداني.. ولأن الرئيس البشير لا ينطق باسم قبيلة ولا باسم طائفة ولا باسم حركة ولا باسم سند خارجي.. ومن ذا الذي يملك هذه المواصفات ليخلف عمر البشير ويكون على هذه الشاكلة. فالبشير كما قلنا يشبه السودانيين في اخلاقهم وروحهم وتتجسد كل اخلاق الشعب السوداني المستمدة من تراثه وترابه وثقافته.. فعمر البشير يمثل مكابدة السودانيين وكفاحهم وجهادهم من أجل العزة والكرامة، أما آثاره المادية وانجازاته فقد تكلمنا عنها في مقالات سابقة كثيرة في التنمية الروحية والمادية والثقافية والتعليمية وهي واضحة وشاخصة للعيان. وصاية كيري ونعود إلى ما يجري في أمريكا.. حيث لم ينقض مؤتمر نيويورك، وقبل أن تجف أوراقه حتى فوجئنا بالمبعوث الأمريكي السابق (جون كيري) يقدم مشروع قانون للكونغرس الأمريكي.. وهذا القانون ما هو إلاَّ محاولة للوصاية على السودان.. ووصاية على دارفور ووصاية على الجنوب.. لأن هذا القانون السيء يتكلم عن محاكمات تقوم بها أمريكا لمن اسماهم منتهكي القانون في دارفور.. كما أن هذا القانون يتكلم بأن أمريكا يجب أن تقوم باعادة تنمية دارفور.. ومعنى إعادة تنمية دارفور أنه يريد أن تكون هناك وصاية أمريكية على دارفور.. ونحن نعلم لماذا تهتم أمريكا بدارفور، لأن من يحكم دارفور.. يحكم بترول تشاد والكونغو ويحكم بترول ليبيا وبترول جنوب السودان.. ويحكم الأمور في شمال السودان.. ويحكم بترول نيجيريا وأنغولا.. فلذلك يسعى (جون كيري) لتقديم قانون للكونغرس يمهد به للوصاية.. ولكن كما قلنا فإن الرئيس البشير يقف له ولأمثاله بالمرصاد.. الرئيس البشير الذي سيموت واقفاً بإذن الله تعالى لن يقبل بتنزيل هذا القانون على المسألة السودانية. أنوار وإضاءات ولكن رغم ذلك لا نقول إن كل الأمور مظلمة.. فهنالك الآن أنوار واضاءات في نهاية النفق.. فها هو الرئيس (إدريس ديبي) يعلن عن خطة لتعريب تشاد.. ويفتتح مؤتمراً حضرته وفود من (18) دولة اسلامية من ضمنها وفد السودان.. ويلقى خطابه ولأول مرة في تاريخ تشاد باللغة العربية.. ويقضي مع الوفود ساعتين ويقف مع الوفد السوداني ويقول لهم ان السودان وتشاد شعب واحد.. ثم يحضر الجلسة الختامية ويلقى فيها خطاباً آخر باللغة العربية. إذاً فالثقافة العربية الاسلامية الآن التي يتم حصارها في جنوب السودان تقفز فوق الجنوب لتتمدد غرباً لنشهد ولادة دولة عربية واسلامية في تشاد.. ومن داخل المؤتمر الذي حضره الرئيس (ديبي) طالب بعض أعضاء المؤتمر بدخول تشاد عضواً في الجامعة العربية.. ورغم أن الجامعة العربية لا تغني عن جوع، ولكن رغم ذلك فإن هذا الأمر له دلالاته ومآلاته، حيث يتم هذا الكلام وسط النخب (المتفرنسة) التي ظلت إلى حين من الدهر تحكم مسارات تشاد.. وتحكم أمر تشاد. وكذلك مما له مغزى في هذه المسألة، أن الوفد المصري في هذا المؤتمر كان وفداً ضخماً ضم (28) شخصاً يمثلون كافة التخصصات.. كما أن الرئيس مبارك ومع فاتحة المؤتمر أصدر قراراً تاريخياً بأن تفتح جامعة الاسكندرية فرعاً لها في تشاد.. كما أن الأزهر الشريف قام بفتح ثلاثة معاهد أزهرية وأعلنوا من داخل المؤتمر ان كل تشادي مؤهل يمكنه دخول الأزهر الشريف. إذاً، الثقاف العربية التي يتم حصارها في جنوب السودان تتمدد الآن إلى تشاد.. وتتمدد إلى كينيا.. وسيجد جنوب السودان نفسه، إذا كان يظن أن الطريق إلى تشاد وكينيا وإلى غيرهما من الدول هو العزلة عن الشمال.. سيجد أن كل البيئة الإقليمية الآن تتجه إلى الاسلام والثقافة العربية.. ولذلك سيجد الجنوب ولو بعد حين نفسه مرغماً أو مكرهاً للتواؤم مع البيئة الإقليمية في المنطقة. وكذلك رأينا وفداً من مجلس الأمن ضم رؤوس الفتنة، فيهم الحرباء سوزان رايس وسفهاء الكونجرس على شاكلة (بندر قاست) الذي هو ليس عضواً في الكونجرس ولا علاقة له بمجلس الأمن، ولكن يأتي معهم كمستشار، وكل هؤلاء ضد السودان، حيث ذهبوا إلى يوغندا وجنوب السودان والفاشر والخرطوم. تخبط المسؤولين ولعلنا نتعجب لماذا هذا التخبط بين بعض المسؤولين الحكوميين الذين يقولون إن الوفد سيقابل هذا وسيرفض مقابلة هذا.. ونحن نقول إن في هذه المرحلة يجب أن يكون هناك ترتيب دقيق للأمور.. ويجب أن يكون هناك انضباط وأن يتكلم الناس بلسان واحد.. وأن تكون هناك رؤية واحدة.. واستراتيجية واحدة.. خصوصاً لمن هم في هم واحد وخط واحد ورؤية واحدة.. خصوصاً وان السودان الآن محاط بضغوط خارجية شديدة.. ولكن من الناحية الواقعية السودان الآن وحتى بقراءات اعداء السودان في البنك الدولي حقق تنمية بنسبة (5.6%) في العام الماضي ولعلها أعلى معدلات تنمية ونمو على المستوى الأفريقي والعالم الثالث. إذاً، السودان يتقدم من الناحية الاقتصادية رغم ما يبدو من تأزم سياسي، ورغم إشتداد الضغوط، ولكن نقول إن الحملة النفسية الضارية ضد الرئيس البشير لن توهن عراه ولن تفتت تماسكه لأن شعار الرئيس البشير (كن مع اللّه ولا تبالي).. وأن ركعتين في صفاء الليل تبدد كل وساوس الشيطان.. ومن كانت نفسه عامرة بالقرآن لا يهزمه الوسواس الخناس. إذاً، علينا أن تتفاءل. وإذا كانت هناك مؤامرات تحاك في الجنوب أو في دارفور إلاَّ أن المخارج واسعة لأن العدوان يولد المقاومة.. والمقاومة تجعل الناس يفكرون في الحكمة وفي طرق السلامة، ويتلمسون أفضل الخطط والطرق.. والأمر ليس مظلماً تماماً، كما يظن الكثيرون، بل فيه (فرجة)، ولكنه يحتاج للحكمة والحنكة والإتفاق والدراية والتعاون.