أعتبر السفير دفع الله الحاج علي مندوب السودان الدائم لدى الأممالمتحدة زيارة وفد مجلس الامن للسودان أخيراً ناجحة ومثمرة بالحسابات الدبلوماسية. ولاحظ السفير الذي رافق الوفد الاممي في زيارته لجوبا والفاشر ان عدداً من ممثلي بلادهم في المجلس بدأوا يعيدون النظر في مصادر معلوماتهم التي يبنون عليها مواقفهم تجاه السودان. وتوقع السفير في حديث مع «الرأي العام» ان تنعكس هذه الزيارة ايجاباً في مقبل الايام لان من رأى ليس كمن سمع كما قال.. ..... * زيارة مجلس الامن للسودان مغزى التوقيت والهدف؟ - الزيارة كانت مبرمجة قبل حوالى اربعة اشهر اي منذ ابريل الماضي وتأتي في اطار متابعة المجلس لولايتي بعثتي يوناميس في جنوب السودان ويوناميد بدارفور خاصة وان الولاية الخاصة بيوناميس تندرج في اطار متابعة تنفيذ اتفاق السلام الشامل والاستفتاء، اما يوناميد فبالاضافة لمهمتها في متابعة العملية السلمية لتحقيق تسوية سلمية بدارفور وحفظ السلام فيه اضيف اليها أخيراً موضوع الاهتمام بالتنمية والاعمار باعتبارها واحدة من أدوات دعم العملية السلمية في دارفور. * هل كانت الزيارة للسودان فقط؟ - المجلس زار كمبالا قبل السودان في اطار اهتمام المجلس بموضوعات البحيرات الكبرى والامن والاستقرار في المنطقة خاصة وان الكنغو ايضاً من اهتماماته، ومتابعة آخر اعمال جيش الرب في يوغندا. وبالنسبة للسودان بدأ المجلس بجنوب السودان حيث التقى بحكومة الجنوب وكان التركيز الاساسي لمباحثات اعضاء المجلس حول الاستفتاء والترتيبات الخاصة بالاستفتاء وقد اكد المجلس انه لن يبارك ابداً اية محاولة لاعلان انفصال بشكل أحادي لجنوب السودان بل ومضى أكثر من ذلك حيث حث على ضرورة ان يجرى الاستفتاء في اطار روح ونص اتفاقية السلام الشامل وبالترتيبات المعروفة. * ما هي الإيجابيات والمكاسب التي حققها السودان من الزيارة؟ - يمكن تلخيص ذلك في الآتي: اولاً معلوم ان مجلس الأمن هو الهيئة الوحيدة التي يمكن ان تعمل في غير شفافية وفي اطار حوائط مغلقة وجلسات مغلقة لا تضم إلا الخمسة عشر عضواً في مجلس الامن ولم يحدث ابداً ان دعا المجلس دولة تبحث موضوعاتها وقضاياها داخل المجلس بالاستماع لها، من هذه الخلفية تأتي الاهمية، فالزيارة اتاحت للمجلس ان يلتقي بوالي شمال دارفور في لقاء استمر أكثر من ساعة يمكنني أن أقول بأنه كان لقاءً أو حواراً تفاعلياً وليس حواراً من ناحية واحدة استمع فيه لكثير من التفاصيل والحقائق الدقيقة عن تحسن الاحوال في دارفور في جميع النواحي الانسانية والامنية والتنموية، لخصها والي شمال دارفور بطريقة ممتازة اعتمد في ذلك بتقديم مقارنة تفصيلية بالارقام عن التطور الايجابي الذي حدث في ستة أنواع من الجرائم وهي جريمة العدوان والاتلاف والحرابة والعنف ضد المرأة واختطاف السيارات. وذكر انه حدثت نسبة تطور ايجابي تبلغ «94%» مقارنة بما كان عليه الحال في العام 2003م. وحاول أحد أعضاء مجلس الامن التقدم بمعلومات قديمة وكان رد الوالي عليها دقيقاً بمطالبته للمندوب تقديم مصادره التي اعتمد على معلوماتها منها لكي يتم التحري حولها ومعرفة مدى دقتها ومضاهاتها وأكد انه اذا ثبتت صحتها فان حكومة الولاية على استعداد لتبنيها. وعندها لم يتمكن العضو «الذي آثر مندوب السودان عدم ذكر اسمه» من تقديم اية معلومة عن مصادره. * في تقديرك من أين أتى بها؟ - نعتقد أنه اعتمد على معلومات من ورقة كتبت في العام 2003م لا تعتمد عليها المصادر حالياً ولكن الجانب المهم في الزيارة انهم تلقوا المعلومات من مظانها الرئيسية مباشرة واستمعوا الى اهل القضية سواء كانوا مسؤولين أو من اهل دارفور. فعندما زاروا احد معسكرات النازحين اتيحت لهم فرصة كبيرة للتفاعل مع ساكني المعسكرات وكانت هناك اسئلة ومقارنة بين الحال في مدينة الفاشر والمعسكرات التي لا تبعد عن المدينة إلا بضعة كيلومترات. وعلى سبيل المثال قام ثلاثة من أعضاء المجلس بتوجيه أسئلة مباشرة عن قيمة صفيحة الماء في المعسكر فكان الرد من قبل النازحين مجاناً فما كان من الاعضاء إلا ان ابدوا استغرابهم لأنهم علموا أو نقل لهم ان صفيحة الماء في المعسكر تبلغ قيمتها جنيهين، ايضاً ذهب اعضاء المجلس الى السوق الملحق بالمعسكر وسألوا عن قيمة السلع التي تباع فكان ان وجدوا قيمتها تقل عن سلع الفاشر بنسبة «10%» وكانت تلك الاستطلاعات من قبل اعضاء المجلس انفسهم مؤشراً لتحسن الحالة المعيشية ولحظوا ايضاً وجود مدارس وكل أسباب المعيشة المحترمة موجودة. * الى اي مدى تسبب هذا الواقع في تغيير مواقف اعضاء المجلس؟ - ما لمسوه على أرض الواقع أحدث كثيرا من الاختراق بينهم حيث بدأ البعض يتساءل كيف لنا ان نصر نحن في المجلس عن قلقنا وسوء الحالة الانسانية وترديها في المعسكرات بينما الذي رأيناه ليس كذلك. وهذا في حد ذاته اثبت صحة المقولة «ليس من رأى كمن سمع». ايضاً اعضاء المجلس في دارفور التقوا بجماهير غفيرة خرجت بصورة عفوية ذكرت لمجلس الأمن انهم هم اصحاب القضية واكدوا للمجلس عدم وجود تطهير عرقي وان مسألة الجنائية أكذوبة وتسييس للعدالة الدولية وانهم يرفضون من يتحدث عنهم بالوكالة وان ما ينقل عنهم عبر بعض المنظمات الطوعية غير صحيح وليس خاليا من الغرض وتشويه للحقيقة، وطالب المواطنون المجلس بسحب ملف المحكمة الجنائية من المجلس. كل هذا لم يكن ليحدث لو لم يزر وفد المجلس السودان. * وكيف ترد على من يقول بأن الزيارة عبارة عن علاقات عامة؟ - «رد بشدة» هي ليست زيارة علاقات عامية وانما زيارة حوار تفاعلي مثمر أنتج كثيراً لصالحنا. واضاف للسودان كثيراً من الفوائد أبسطها هو انهم جميعاً، اعضاء المجلس- وهم يغادرون السودان ظلوا يرددون نحن الآن في وضع افضل مما كنا عليه لنتحدث عن السودان وللوقوف على قضايا السودان عندما تبحث داخل المجلس. * هل هذا التعميم يشمل جميع اعضاء المجلس؟ - لا نقول جميعهم، بعضهم وهم قلة لهم اجندتهم مهما كان الحال ومهما تم توضيح الحقائق لهم نعتقد انهم من الصعب ان يبدلوا مواقفهم، لكننا في الدبلوماسية -السودانية وهذا هو منهجنا- اننا نظل نوصل الحقائق مجردة لهم ونثق في اننا سنحدث تغييراً وواجبنا في الدبلوماسية هو ترميم الجسور والارتباط البناء والاتصال بكل أفراد المجتمع الدولي وليس استعداء الآخرين وانما كسب اصدقاء وان نعمل على تقريب الشقة وليس ابعاد الاطراف من بعضها، هم بشر ونحن نؤمن بأن منهجنا السليم وبمنطقنا القوي وحجتنا الثابتة ستحدث فيما يتعلق بالعلاقة مع الاممالمتحدة عموما ومجلس الامن بصفة خاصة فرقاً ولكن لا ندعي بأنها تحدث ما بين يوم وليلة والالف ميل تبدأ بخطوة ونثق في ان هذه الخطوة قد بدأت. * المجلس أبلغ حكومة الجنوب صراحة رفضه انفصال الجنوب بشكل احادي؟ - نعم علمنا ان مجلس الامن رفض تماماً وبطريقة قاطعة فكرة اعلان الانفصال بشكل احادي وانما حث جميع الاطراف على ان يتم عن طريق الاستفتاء المتفق عليه في اطار اتفاق السلام الشامل بان يكون استفتاء حراً ونزيهاً وذا مصداقية ويعبر بصفة صادقة عن رغبة شعب الجنوب. * هل تتوقع بعد ان سمع المجلس من مواطني دارفور عن ما أشيع من تطهير عرقي وغيره من خطوات جادة بشأن ملف الجنائية؟ - يمكنني ان اضيف هنا الى جانب ما اشار اليه جماهير دارفور ان والي دارفور أبلغ اعضاء مجلس الأمن بأن حكومة السودان مهتمة أكثر من غيرها بموضوع مكافحة الافلات من العقوبة، وذكر لهم بان حكومته علقت على اجراء تحقيقات ومحاكمات لكثير من المتورطين من بينهم من هو في السلطات الرسمية، لكن المجلس يمكن ان اقول حتى الآن لم يصعد كثيراً من الاجراءات الخاصة بالمحكمة لكن التغيير لا يحدث ما بين يوم وليلة ولكن نحس انهم اذا اعملوا فعلاً ضمائرهم «مع العلم هنا ان قلة تدفع في الاتجاه غير الصحيح»، من واقع ما سمعوه وما وقفوا عليه من جماهير أهل القضية يجب ان يبعدوا هذه القضية من مجلس الأمن. * ذكرت في حديثك وجود بعض الأعضاء المتشددين تجاه السودان الى اي مدى يمكن ان يكون التقرير المرفوع من واقع ما وجده المجلس على الواقع نزيهاً؟ - استطيع ان اقول ان ثلاث دول فقط مازالت متشددة ولكن صوت الحق موجود داخل المجلس. قرارات مجلس الامن ومواقفه دائماً تأخذ منحى تبني صيغ متوازنة بين هذا الرأي وذاك ومن هذا المفهوم نتوقع ان تأتي تقاريرهم في هذا السياق اي ان لا تجنح نحو التطرف الذي كان يحدث قبل ذلك لان تلك الاصوات المتطرفة ستجد صعوبة بالغة في اقناع من هم محايدون أو من الاصدقاء ولا تستطيع ان تدفع بهم في اتجاه متطرف لان من وقفوا عليه خلاف ما درجوا على ذكره نتيجة معلومات مغلوطة مصدرها دوائر غير صديقة وبعض المنظمات غير الحكومية التي تخدم أجندات دول معينة. * وهل الزيارة بدلت قناعات بعض الدول؟ يمكن ان أقول وبثقة تامة إن الزيارة ستؤثر في قناعات بعض الدول التي كانت تقف في الوسط وزادت وكرست تلك الصديقة التي تقف معنا بصدقية وعدالة مواقف السودان وقضاياه، وايضاً نستطيع ان نقول انها اثرت في وجدان المتطرفين وان لم يظهر هذا في سلوكهم قريباً نعتقد انه اثر على ضمائرهم. * اذن الى اي مدى يمكن ان تنعكس زيارة مجلس الامن إلي جانب آلية المراقبة الدولية ايجاباً على عملية الاستفتاء في ظل وجود اجواء مشحونة حالياً بين الطرفين؟ - استقبل مسؤولون في الحكومة وعلى رأسهم نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية لاول مرة اللجنة العليا المكلفة بمراقبة الاستفتاء وعلى رأسها الرئيس التنزاني السابق بنجامين مكابا الذي وافق عليه السودان بل بادر بترشيحه لتقلد المهمة حيث تم التأكيد خلال اللقاءات على ضرورة ان يكون هذا الاستفتاء حراً وشفافاً وذا مصداقية وبعيداً عن كل المؤثرات التي تؤثر على اهل الجنوب لكي لا يدلون برأي غير الذي يرغبون فيه وان تكون نتيجته مقبولة وصحيحة تعكس فعلاً رغبة الجنوب. اما فيما يتعلق بالمسائل العالقة فقد أكدت الحكومة على لسان وزير الخارجية وصول مؤشرات ايجابية عن اجتماعات اديس ابابا فيما يتعلق بأبيي. الآن هناك جهود مبذولة على مستوى عالٍ لتقريب الشقة واحتواء المسائل العالقة حتى يكون الاستفتاء مقبولاً. * ما هي الخطوات المطلوبة من بعثة السودان خلال الفترة القادمة لترتيب اجواء الاستفتاء واحتواء الخلافات؟ - البعثة ستواصل بذات النهج وهو الحوار البناء واسماع صوت السودان لكل المسؤولين الكبار في الاممالمتحدة وممثلي الدول جميعاً. سنوصل صوتنا وقضايانا بتفصيل شديد في كل القضايا ذات الاهتمام التي يتم بحثها في مجلس الامن ونتوقع ايضاً استمرار زيارات لكبار المسؤولين في الدولة بنيويورك خلال الفترة القادمة اولاً للمشاركة فيما تبقى من فعاليات اجتماعات الجمعية العامة وايضا لعقد اجتماعات مع الدوائر ذات الاهتمام سواء مراكز بحوث أو مسؤولين كبار في الاممالمتحدة أو مندوبين دائمين حتى يقفوا على حقيقة الأمر وتفهم الاوضاع على وجه صحيح. * وهل في المقابل تتوقع زيارات أخرى لمسؤولين كبار في الاممالمتحدة والحكومة الامريكية؟ - المرحلة القادمة تحتاج للارتباط بالمجتمع الدولي ومن هذا المنطلق نتوقع عدداً من الزيارات من كثير من الجهات للسودان للتواصل وتقريب الشقة بين الشريكين فيما هو متبقٍ من موضوعات تساعد في الوصول لاستفتاء مقبول. * الموقف الذي اعلنه رئيس حكومة الجنوب بانه سيصوت لصالح الانفصال الى اي مدى أسهم في ارباك الحسابات خاصة بالنسبة للبعثة؟ - ان اتفاق السلام اتاح الخيارين جعل الوحدة الجاذبة أو الانفصال ويمكن ان اقول اعلان الرغبة في الانفصال في اجتماع عالي المستوى الخاص بالسودان في تقديري يجب ان ينظر اليه بزاوية ايجابية لانه يكشف النوايا وهذا يساعد الأطراف الأخرى للتدبر والتنظيم ومواجهة المواقف. هذا من ناحية اما من الناحية الثانية الاجتماع نفسه عالي المستوى الذي عقد بشأن السودان كانت مخرجاته وبيانه الختامي لصالح السودان بدرجة كبيرة اذ انه شجع الطرفين للعمل على ان تكون الوحدة جاذبة وفي ذات الوقت أمن على ضرورة ممارسة حق تقرير المصير لجنوب السودان، هذا هو انعكاس لروح ونص اتفاق السلام الشامل. ايضاً الاجتماع بارك استراتيجية جديدة لحل النزاع في دارفور وهذا أمر مفيد. كذلك دعا المجتمع الدولي لمساعدة الشريكين وتعزيز مقدراتهما لحل ما تبقى من موضوعات، كما انه عبر عن التقدير حول ما قام به الشريكان خلال الفترة الماضية تجاه تنفيذ اتفاق السلام في ظل ظروف صعبة. يمكن ان اخلص الى ان الاجتماع عالي المستوى الخاص بالسودان كان في مجمله ايجابياً شارك السودان في مخرجات التفاوض حول البيان الختامي ونجحنا في ان تخرج بالطريقة التي ذكرت، اما الرغبة في الاعلان عن الانفصال في ذلك الاجتماع في رأيي يجب ان ينظر اليها من زاوية ايجابية لانه ساعد في معرفة النوايا قبل وقت كافٍ من اجراء الاستفتاء مما يمكن الاطراف في الشمال من الاستعداد والتأهب وتبني كثير من التدابير لمواجهة الوضع. ايضاً الاعلان كشف نوايا الحركة للمجتمع الدولي. * أخيراً ما هو تقييمك لما وراء الزيارة؟ - مجلس الأمن معروف أنه الهيئة الوحيدة التي تعمل في غير شفافية والجهود منصبة لاصلاحه ليعمل بطريقة ديمقراطية وشفافة. في تقديري ما جرى في السودان يمثل مطلب كل الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وهو التفاعل والانفتاح والاستماع لوجهات نظر الدول المعنية، خاصة تلك التي لها قضايا لأن المجلس كثيراً ما يتخذ قرارات خطيرة داخله دون الاستماع لاي صوت.