سأظل أترقب مجيئه عصر كل يوم حيث يدلف الى مكتب الاستاذ كمال حسن بخيت متوقفاً وهو يدلق على الاستاذ محمد عبدالقادر مجموعة من الاخبار وضحكات لا تزال ترتسم على وجه الزمن .. لرجل لن يعود رغم انني في انتظار مجيئه، وهل يعود عمر الكاهن إلا من ذكريات وجليل أعمال وأفعال وضعها على دروب المحبة للزملاء والأصدقاء وكنت من بينهم ان لم أكن أولهم . رحل عمر محمد الحسن «الكاهن».. وهاتفه الجوال مازال يرن قبل ان يمنح «الهاتف الذي طلبته مغلق»، فقد كان على اتصال قبل ساعات من وعكته المفاجئة بعدد كبير من الاصدقاء والزملاء ومعارفه الكثيرين.. وهو بجانب لقبه المعروف ايضا مكوكاً للصحافة وللعلاقات الانسانية يدفع اليك بالدعاء (الله يحفظك) لم يصدق الكثيرون ان تلك المكالمات هي آخر ما سمعوه أو هي آخر لقاء لهم بالكاهن الذي كان لا يحب النميمة في أحد ولكنه يبحث عن الأسرار والأخبار القابلة للنشر وغير القابلة للنفي .. وعمر جيوبه دائماً ملأى بقصاصات الورق فيها أخبار الناس والمجتمع حتى عربته بالاضافة الى حقيبته والرسائل في جهازه النقال.. وكانت النقود ايضا تتوزع بين تلك الجيوب، فالرجل لا يعرف الفلس لأنه كريم الى حد لا يوصف ينفق كمن لا يخشى الفقر وهو الذي اعتاد ان يلبس «السفاري» ولكن بعصرنة وحضور زاه وبشاشة لا توجد إلا على وجه الكاهن الذي عرفته عن قرب كان يفرحني فيه ويبكيني احياناً ويدعني على رصيف الانتظار أحيانا كثيرة وله العذر قبل ان يقدم هو الأعذار. كان عمر محباً للحياة حينما تنظر اليه بمنظار محبته للآخرين والمجاهدة في انجاز خدمتهم قبل ان ينحاز الى نفسه حباً للحياة وفي ذلك متعة لم يذق طعمها سوى الراحل نفسه وقليل من الرجال ومحباً للصحافة على طريقته الخاصة حتى انطبع ذلك على طبيعته وسلوكه الشخصي.. دائماً ما يداعبني «خليك صحفي» وهو يسلمني الخبر الاجتماعي مع توصية «سيرة ذاتية عن صاحب الخبر» كأن الرجل يمتلك سجلاً للمواليد أو هو عمدة الخرطوم.. ولم ينس الراحل عطبرة او أم بكول ولا أسرته الصغيرة التي ابتعد بها عن الأضواء ولم يبعدها عن قلبه وتفكيره هذا الرائع الذي أحب الفجر ومات في توقيته .. أحب الناس فألفوه مودة وحضوراً لا يمل فهو عندما يطل عليك فإن بشائر من الخيرات تهل عليك وأمرك مقضي لا محالة فهل من انتظار لرجل لن يأتي ثانية.. وداعاً أيها الرجل الذي بكته الأحزاب قاطبة والصحافيون أجمع والسياسيون من اليمين والوسط وحتى اليسار ولكن.. دموع على فراقك ودعاء على ثرى قبرك «طبت مقاماً في عليين مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا»..