بالطبع هي خرافات ولكن قبل ان تذهب بعيداً ما هي الخرافة..؟ فنجد ان المعنى الادبي الاصطلاحي الذي يكاد يجمع عليه مؤرخو الأدب والنقاد ودوائر للمعارف ما لخصه لنا يوسف الشاروني من ان الخرافة قصة يتكلم الحيوان فيها ويمثل مع احتفاظه بحيوانيته ولها مغزى. وقد جاء في القاموس المحيط ان الخرافة: «حديث مستملح كذب» وربما كان مأخوذاً من اسم رجل من عذرة استهوته الجن فكان يحدث بما رأي فكذبوه». وقد استخدم ابن النديم في كتابه الفهرست كلمة خرافة لتدل علي قصة الحيوان إذ يقول: إن محمد بن اسحق قال: إن الفرس الأول هم: «أول من صنف الخرافات وجعلوا لها كتباً أودعوها الخزائن وجعلوا بعض ذلك على السنة الحيوان.. وبعد ان يتكلم عن ابن عبدوس والجهشياري وما حاول من تأليف كتاب في اسمار العرب والعجم والروم قال: «وكان قبل ذلك ممن يعمل الاسمار والخرافات على السنة الناس والطير والبهائم جماعة منهم عبد الله بن المقفع، وسهل بن هارون، وعلى بن داوؤد (كاتب زبيدة). وغيرهم يرى البعض ان هذا النوع من القصص ينشأ في عهود الظلم والاستبداد عندما يكون التصريح بالحقيقة جالباً لغضب الملوك والرؤساء.. ويستدلون على ذلك بأن من اشهر كتاب الخرافات قوم من الارقاء أو العبيد والموالي، وهؤلاء بصفتهم هذه لا يستطيعون ان ينصحوا سادتهم خوفاً من بطشهم فآثروا الرمز لما فيه من بعد من صفات الحقيقة وإثارة غضب الرؤساء - فايسوب - اليوناني كان عبداً وكذلك كان - فيدو - الروماني وكان إبن المقفع - مولى فارسياً. وهؤلاء اشهر من نسبت إليهم الخرافات ويضاف إليهم لقمان الحبشي وقد جاء في الوسيط عن الامثال الفرضية انها تكثر «في الايام التي يكثر فيها الجور والاستبداد والتضييق على الهداة والمرشدين فيضطرون إليها للوصول إلى اغراضهم مع الأمن على حياتهم على ما فيها من ترويح الخاطر ولطف المدخل وجمال الفكاهة المنطوية في تضاعيفها النصيحة وذلك أَعمل في النفس وأدعى إلى الاتعاظ.. وأحمد أمين في ضحى الاسلام يقول: وتبينت الحاجة الشديدة الى هذا النوع في عصور الاستبداد يوم كان الملوك والحكام يضيقون على الناس انفاسهم فلا يستطيع ناقد ان ينقد اعمالهم ولا واعظ أن يوميء بالموعظة الحسنة إليهم فنشأ هذا الضرب من القول والقصص يقصدون فيه الي نصح الحكام بالعدل وكأنهم يقولون اذا كانت الحيوانات تمقت الظلم وتحقق العدل فأولى بذلك الانسان واذا كان الزعماء تأخذهم العزة بالإثم ويستعظمون ان يصرح لهم ينصح أو فقد فلا أقل من وضع النصيحة على لسان البهائم وإذا كان في التصريح تعريض الحياة للخطر ففي التلميح تجاة من الضرر». ولكن بعض قصص الحيوان لاصلة له بالملوك ولا سياسات الحكم في الأزمنة الغابرة ولا ينقد ذوي السلطان. ويظهر من تاريخ هذه القصص ومن مؤلفيها ومن انواعها عامة انها توضع إما للتسلية وإما ان تكون شكلاً من اشكال الادب يراد به التنويع في تقديم الدروس الاخلاقية مع البعد عن جفاف الموعظة الصريحة. وهذا يحدث عادة في قصص الحيوان المكتوبة للاطفال. وقد تعرضت مقدمة كليلة ودمنة لشد وجذب بين انصار الرأيين.. من ذلك القول بأن ما جاء في المقدمة حجة على من يقولون ان الرمز يراد به نصح المستبدين خوفاً من بطشهم، فالملك دبشليم هو الذي طلب بنفسه من بيدبا قائلاً: «وقد احببت ان تضع لي كتاباً بليغاً تستفرغ فيه علمك يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها وباطنه اخلاق الملوك وسياستها للرعية على طاعة الملك وخدمته.. ثم قال له عن الكتاب وليكن مشتملاً على الجد والهزل، واللهو والحكمة والفلسفة، ثم ان ابن المقفع حدد لكتابه أربعة اغراض لم يذكر بينها نصح المستبدين بطريقة رمزية خوفاً من بطشهم. في الطرف الآخر نجد من يري في هذه المقدمة ما يؤيد الرأي القائل بإن ابن المقفع وضع تفصيل اغراضه لابعاد إدراك من يعنيه ان لا يدركوا حقيقة ما خفى وفهم حقيقة ما ابطن. هناك من يقول: ان الغرض الرابع وهو الإقصاء وذلك مخصوص بالفيلسوف خاصة دون تصريح «النصح للخلفاء - لم يوضحه ابن المقفع لأن في ايضاحه خطراً عليه من المنصور.. بل ونقرأ لفاروق خورشيد ان وضع هذا الكتاب كان الدافع الحقيقي وراء مصرع ابن المقفع. وقصص الحيوان نشأت كخرافات حين كان الانسان في طفولته الفكرية يسقط انسانيته علي الوجود فيعتقد ان الحيوان وهو يسمعه يصدر اصواتاً لا بد وان تكون له لغة يتفاهم بها بين افراده، كما يتفاهم الإنسان مع أخيه الإنسان فلما تطور العقل الانساني ادرك ان ما يمتلكه من قدرات ليس من الضروري ان يمتلكها الحيوان ولكن الخيال الانساني احتفظ بما سبق ان حصل عليه من اشكال التفكير واستغله لتحقيق اغراض اخرى منها المتعة الفنية ومنها الرمز في حالة عدم القدرة على الافصاح.