يبدو أن اللغط السائد عقب وصول الحوار بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة القومي الى محطته قبل الأخيرة وضع الأمام الصادق المهدي في خانتي (الدفاع والتبرير)، ليثبت للمجتمع السوداني ولجماهير حزبه أن حزبه مازال قابضاً على مبدئه القائم على عدم المشاركة في سلطة غير منتخبة الأمر الذي إضطره (أي الإمام) لجرد حسابات حزبه النضالية على ثلاث مراحل أشار اليها في لقائه الجماهيري بمنطقة (أم عضام) بولاية الجزيرة أمس الأول وكررها أمس في كلمته بالمؤتمر الصحفي الذي عقده أمس بدار حزبه،حينما قال:( مرّ نضالنا ضد نظام الإنقاذ على ثلاث مراحل، الأولى عندما أقام شمولية إقصائية واجهناها بالمقاومة السرية داخليا والتعبوية المسلحة خارجياً، الى أن راجع (أي النظام) موقفه واعترف بالتعددية السياسية فأبرمنا معه نداء الوطن، وأقدمنا على المرحلة الثانية حيث دخلنا في تفاوض وعندما إستحال الإتفاق واصلنا المعارضة على أساس الجهاد المدني . أما المرحلة الثالثة بعد أن تعثرت إتفاقيات السلام التي إبرمها النظام وقرر الإنفتاح القومي تجاوبنا مع تلك الخطوة مدركين أن البلاد موبوءة بمعارضة مسلحة مسيّسة كثيرة وأطماع خارجية متربصة، وأن المواجهات الخشنة في الداخل سوف تفتح للأجندات السياسية المختلفة لفرض رؤاها بالقوة وكذلك الأطماع الخارجية أن تعمل على فرض واقع لصالحها ولحساب الوطن) وتحدث الإمام عن مرحلة جديدة وصفها بأنها جاءت تجنباً للثنائية العازلة للآخرين مشيراً الى اللجان الخمس التي كونها حزبه للحوار مع الوطني والحركة الشعبية وحلفاء حزبه في الهيئة الشعبية من أجل الحريات وحركات العمل المسلح في دارفور. وكأنه يريد أن يقول إن حواراتنا ليست مع المؤتمر الوطني وحده وبعبارة أخرى صريحة «الناس إعتادت أن يفضي أي حوار الى مشاركة» وأضاف متسائلاً:(هى الحكومة دي فضل فيها كرسي عشان يقعدوا فيهو؟).وأشار المهدي الى أن حوارات الأمة يتغير منطقها بحسب متغيرات الخارطة السياسية. وقال لكل مرحلة متطلباتها ومنطقها :( الدايرة مخاشنة تمشي بالمخاشنة والدايرة مباصرة تمشي بالمباصرة) واستشهد بقول المتنبئ الشاعر:(وضع الندى في موضع السيف بالعلا .. مضر كوضع السيف في موضع الندى) واكد الإمام أن ما تم الإتفاق عليه في اللقاءات الثنائية بين حزبه والوطني لن يتم إعتماده مالم يجزه مكتب حزبه السياسي وتباركه القوى المتحالفة معه وأضاف :كذلك الوطني سيعرض ما تم الإتفاق عليه على مؤسساته ومن ثمّ حلفائه من الأحزاب. ووفقاً لمتابعي ملف التفاوض فإن الإتفاق سيمهر بتوقيعي المشير البشير والإمام المهدي ومن ثم يعرض على المؤتمر الجامع الذى ظل ينادي به حزب الامة منذ إتفاقي نيفاشا وميشاكوس. ويلاحظ المراقبون أن الوطني أصبح أقرب الى قبول هذه الفكرة واستدلوا على ذلك بما ورد على لسان أمين علاقاته الخارجية د. مصطفي عثمان إسماعيل.عقب اللقاء الأخير بين ممثلي الحزبين وأعلن فيه أن الاتفاق سيعرض على مؤتمر جامع « و هي ذات مفردة المهدي »وهو ما اعتبره المراقبون خطوة جادة للتراضي الوطني. ويلاحظ المراقبون أن الامة حرص في الآونة الأخيرة بعد إنطلاق حواره مع الوطني على بث رسائل تنظيمية أفقياً ل (القوى المعارضة الحليفة) ورأسياً (داخل صفوف الحزب)وهو ما ظهر جلياً في المؤتمر الصحفي عندما قال المهدي :( وقع وفدنا مع المؤتمر الوطني بالأحرف الأولى على ست أوراق هي الثوابت الوطنية والدينية وإجراءات بناء الثقة ودارفور والحريات وإتفاقية السلام والإنتخابات) وأضاف: ثم ماذا بعد ؟ «سيعقد ملتقى جامع مع أجندة من بندين هما وضع خارطة طريق للتراضي الوطني الذي يرجى أن يحقق السلام الشامل العادل والتحول الديمقراطي الكامل في البلاد والإتفاق على آليات تنفيذ ما أتفق عليه». وبسبب الحوار بين الأمة والوطني أصبحت أية عبارة تصدر من الأول تعتبر خطوة للمشاركة وأصبحت تحتاج لمبررات وتوضيح من الإمام نفسه. ومن بين هذه العبارات تلك التي أطلقها الإمام في لقائه الجماهيري أمس الأول قال : نحن الآن في مرحلة النضال المشترك . وحملت هذه العبارة مجموعة من الهواجس أودعتها في دواخل تيارات أنصارية والتي أبدت شعورها بالإحباط عندما فسرت أن النضال المشترك سيكون مع المؤتمر الوطني وكانت هذه التيارات تتساءل :( النضال المشترك مع من؟ وضد من؟ ولمصلحة من؟).ولكن الإمام فسر ما التبس من فهم لهذه العبارة حين قال : قصدنا من النضال المشترك أن تعمل القوى السياسية مع بعضها البعض لتحقيق الأجندة الوطنية وليس فيه أي نوع من التحالف مع جهة محددة أو العمل المشترك. غير أن مراقبين سياسيين قالوا:إن هنالك تقارباً طرأ حديثاً بين الوطني والامة أحدثه إقرار الأول بالمؤتمر الجامع الذي كان يدعو اليه الثاني منذ بدايات التفاوض لإتفاقية السلام، وفوق هذا وذاك ما لمسه الثاني من جدية الأول وتطميناته التي بثها عبر اعلى سلطة فيه وهي المشير البشير. وأعتبر المهدي وهو يحث قادة الحكومة على عدم النكوص لأي سبب في المؤتمر الصحفي أن المؤتمر الجامع فرصة تاريخية للسودان بشكل عام ليسودن خطة مصيره بأيدي مواطنيه وفرصة تاريخية خاصة للرئيس عمر البشير وقادة المؤتمر الوطني أن يحققوا التطلعات الوطنية المشروعة بالتراضي الوطني الذي يعطي كل ذي حق حقه في إتفاقيات السلام ويحسم التنافس الفكري والسياسي بالإحتكام الحر النزيه للشعب. وكذلك هو فرصة للقوى السياسية والمدنية في أن تسهم في تحقيق السلام العادل بما يفتح الطريق أمام التنمية والسلام الإجتماعي وتحرير الإرادة الوطنية من التعديات على سيادتها. ورغم كل الجهد الذي بذله الأمة وهو يمضي في طريق الحوار مع الشريك الحكومي الأكبر الذي بدر منه ما يشي أنه أكثر جدية من أي وقت مضي، يتخوف المراقبون من أن يعمد المتشددون والتيارات المختلفة في الوطني والمرتعبون من الأمة من أن يكشف تحقق الديمقراطية مدى هشاشة وضعهم داخل الحزب من أن يعمدوا الى وضع عراقيل أمام إجازة الإتفاقات التي توصلت اليها اللجنة المشتركة من الحزبين. وقد بدأت إرهاصات العرقلة في الظهور داخل الأمة ببيان داخل أفراده من جيش الأمة والتطورات داخل صحيفة صوت الأمة أبرز النماذج.