تبادل الاتهامات بين ادارة حركة المرور والتخطيط العمراني حول ما ذكر بوجود خطأ هندسي في كبري الانقاذ الرابط بين الخرطوم وامدرمان، ما هو الا قطرة من فيض الشغب المعماري الذي يعم المدينة. مثل هذه الاتهامات تنشأ ازاء اي مشروع انجز، أو تحت الانجاز، أي كبري، أي شارع، أي مصرف، أي مرفق عام، أي خط مياه، أي خط كهرباء، الى آخر القائمة، وهي طويلة بطول المساحة التي يغطيها هذا الشغب. كما ان الاتهام يندرج فيما اسميه قلق البناء والتشييد في العاصمة على وجه الخصوص، وهو يقوم على نظرية: ابن ثم اكسر ثم ابن، والدائرة مستمرة. حادثتا مرور على الجسر خلال أقل من أسبوع هما اللتين ولدتا الاتهامات بين ادارة المرور والتخطيط العمراني، في الأولى تصادمت حافلة ركاب مع أخرى نقل خاص على الجانب الشرقي من الكوبري، وخرجتا من الجسر، قبل انقلابهما بصورة أدت على مقتل «5» أشخاص وجرح «63» آخرين، والثانية على الجانب الغربي من الكوبري، عندما تصادمت «5» سيارات في لحظة واحدة أسفر عن اصابة «9» أشخاص. وعليه رد مدير المرور عن سؤال على ما يبدو بأن هناك خطأ هندسياً في الكوبري، لم يحدده، هو الذي يرفع من معدل الحوادث فيه، لترد وزارة التخطيط العمراني ببيان اطلق عليه صفة التوضيحي، نفي فيه أن يكون الكوبري يعاني من أي خطأ هندسي وأثني البيان على بناء الكوبري بأنه تم «على أعلى المستويات من المواصفات والتصاميم». بهذا حسم الطرفان الاتهامات والجدل بينهما، وينتهى الكلام الى هنا، طالما ان الأمر كله فني «مروري هندسي»، وما على الآخرين الا الصمت المبين. ومن مدخل الصمت المبين هذا نسأل: هل أصلا حدث تنسيق بين التخطيط العمراني أو الجهة التي نفذت الكوبري قبل البدء في التنفيذ، حتى تتسق كل الجوانب المرورية الهندسية في الكوبري، أم ان أي طرف من الطرفين أدى عمله وواجبه ومضى، أي ان التخطيط والتنفيذ تم بعيداً عن التنسيق المروري، جاء ناس المرور رفعوا اشاراتهم ونصبوا متاريسهم وخططوا أرضياتهم بعيداً عن ناس التخطيط العمراني. على ان السؤال الآخر هو من يحسم الاتهامات الصامتة، ان صح التعبير، بين الأطراف المعنية بتعمير المدن، ليس في العاصمة فحسب وانما في كل مدن السودان؟ انعدام التنسيق بين هذه الأطراف يصل مرحلة الفوضى والاهدار للمال والجهد والوقت، يعطيك مشهد دول كثيرة تعمل داخل دولة واحدة، ولكل أوامره ونواهيه، محرماته ومقدساته، خطوط خضراء وأخرى حمراء، وويل لمن يعترض: يكتمل الشارع الرئيسي وتجري عليه السيارات لأيام، ويظن الناس ان العمل قد انتهى، ولاشك ان من أنجزوا الشارع، أيضا، يساورهم الظن بأن الامر كذلك، ولكن فجاة تظهر جهة تحمل جيوشها ومعاولها وكل زخمها، وتنهال على الشارع تكسيراً وتمزيقاً، لتوصيل ماء أو كهرباء أو كيبلات اتصالات أو مصارف مياه، وعندما ينتهوا من عملهم المضني هذا، يتركوا الشارع الجديد الذي صرف فيه الملايين من جيوب دافعي الضرائب -أين هم ترى-على حاله «المدشدش»، وقد في أفضل الأحوال قد ينال ترميماً ينشر القبح على المكان، ناهيك عن جودة الترميم، والذي يتم على يد شخص غير متخصص في تشييد الشوارع! وعلى الضفة الاخرى، ترى كم ماسورة مياه تلفت وتدفقت بحارا في الأحياء، بسبب حفريات عشوائية رعناء، لانشاء طريق أو نصب عمود أو زراعة كيبل أو مد مصرف؟ وسيستمر الشغب المعماري هذا، وليس هناك ما يشير الى توقفه، الى أن تجلس الأطراف المعنية، وتقرر ان التنسيق بينها، هو أول حجر في أساس نجاح مشاريع التنمية العمرانية.