التعامل مع التصريحات الصادرة عن الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية مهمة شاقة وعسيرة وهذا أمر يعلمه القائمون على تحرير الأخبار في الصحف اليومية، والحصول على خبر من د. غازي «عملية إنتاجية» يلزمها كثير من الصبر والتحضير لأسباب تتعلق بشخصية الرجل فهو سياسي ذكي ومحنك وقيادي مثقف ومواكب يجبرك على فلترة الأفكار والمعلومات قبل طرح السؤال الذي ينبغي ألا يخرج «غبياً» في وجه رجل يتسم بصراحة جارحة في كثير من الأحايين. ثم أن كتابة ما يجود به د. غازي على قلته عملية أشبه بالسير في حقل مليء بالألغاام وهو أمر يستدعي التعامل ب «برود» جراح في عملية معقدة و«نهم» صحفي يسعى الى السبق والتميز. وبين الحالتين يتراءى هاجس التصويب الذي غالباً ما تكون تصريحات غازي «وفد مقدمة» لوصوله الى مباني الصحيفة بعد ساعات قليلة من النشر. وأذكر أن د. غازي حينما كان مستشاراً للسلام إبان المفاوضات التاريخية بين الحكومة والحركة الشعبية العام «3002م» وقبيل التوقيع الذي سبقته مفاوضات شاقة وعسيرة حول علاقة الدين بالدولة جاد على عدد من الصحف بتصريح مكتوب ك «عادته» سبقه بتصريحات سجلناها بجهاز التسجيل عن ظهر قلب اكد فيها روح الحديث وهذا ليس نصه - إن الحكومة مستعدة لتقديم تنازلات صعبة في سبيل تحقيق السلام والحفاظ على الأمن ووحدة البلاد. وكنا في «الرأي العام» التي كنت رئيساً لقسم الأخبار بها آنذاك قد احتفينا بالتصريحات لسببين أولهما صدورها من مفاوض شرس في الفريق الحكومي ومسؤول عن ملف السلام يتحدث عن «التنازلات» لأول مرة وثانيهما التوقيت الذي أردنا به توسيع قاعدة التفاوض والمساهمة في تقريب وجهات النظر بين طرفي المفاوضات المنهكة حينها بكثير من العقبات. وما أن خرج التصريح باللون الأحمر في اليوم الثاني حتى فوجئت بتصويب شديد اللهجة من د. غازي وضعني وجهاً لوجه أمام «استجواب» رئيس التحرير حينها الاستاذ إدريس حسن متعه الله بالصحة والعافية، ولم يكن أمامي سوى إشهار الأسانيد المعضدة لما نشرته من خبر وأضعها أمام الاستاذ إدريس الذي كان يتشدد في تحري صحة الأخبار قبل إصدار الحكم على الصحفي، ولما تبينّا من أمرنا رشداً وتأكدنا من صحة ما حشدناه من تسجيل وتصريح مكتوب توجهنا صوب مكتب د. غازي حاملين رداً نثق في أنه سيقنع د. غازي بعدم صحة ما صاغه من انتقادات لما نشرنا، الدكتور غازي أمّن ببساطة على ما أوردنا «د. غازي: مستعدون لتقديم تنازلات صعبة» لكنه عاجلنا بالسؤال من أين أتيتم بالمعقوفتين، لم أتبين معنى المعقوفتين حينها ولكني تذكرت أنني وضعت كلمة «صعبة» بين قوسين وعلمت في تلك اللحظة ان القوسين الصغيرين أضافا ظلالاً للكلمة أغضبت د. غازي ولكنها أسعدتني كثيراً.