أضم صوتي لصوت الاستاذ د. هاشم حسين بابكر من أن هناك جهة استباحت حرم السكة الحديد أخيراً وهي جزء لا يتجزأ من الإهمال والتهميش الذي طالها منذ عقود على أيام عهد مايو في السبعينات والثمانينات لأسباب سياسية وكان الغبن السياسي في وقتها في أشده لدرجة عقد النية للتخلص من هذا المرفق المهم نهائىاً لولا رعاية الله وصمود العاملين فيه. لا أريد أن اخوض في تاريخ السكة الحديد لأنه ضرب من التحسر والحزن الكبير على ماض تليد قد مضى ويكفيها فخراً انها كانت مصدراً للخبرات الى الدول الافريقية ولا زل يذكرها أهل زامبيا بالخير، وهي التي وضعت اللبنة الأولى لسكك حديد زامبيا بقيادة المهندس محجوب محمد أحمد أمد الله في عمره. ولا حاجة لي لأذكر بأهمية هذا المرفق في التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية ولا عن دورها في حركة الاقتصاد المحلي والاستثمار لأنها حسب أهميتها هي الضلع الثالث لنهضة الاقتصاد القومي بعد الزراعة والصناعة، وهي في عهدها الزاهر كانت تمتد لحوالى «3.5» ألف كيلومتر شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وهي تقوم على أربعة خطوط رئيسية هي:- 1/ خط الخرطوم - سنار - القضارف- كسلا - هيا - بورتسودان. 2/ خط الخرطوم - سنار - الرهد - الأبيض. 3/ خط الرهد- بابنوسة- واو- نيالا. 4/ خط الخرطوم- عطبرة- أبوحمد- كريمة- حلفا القديمة. وكانت هذه الخطوط الاربعة تنقل حوالى «7» آلاف طن من البضائع من الثغر بورتسودان الى داخل القطر اسبوعياً ومن الخرطوم قلب أو مركز هذه الشبكة العنكبوتية تنقل هذه البضائع الى شمال وغرب وجنوب السودان في تناسق هارموني بأسعار تقل كثيراً عن أسعار النقل بالجو أو بالبر. هذه الخطوط الاربعة الآن تحتاج الى صيانة كاملة وإعادة تأهيل التكلفة الكلية لها «7» مليارات دولار، دفعت الصين منها «4» ملايين دولار كمنحة لا تُرد، كما دعمت بعدد «7» قاطرات سحب و«20» عربة شحن وحسب معلوماتي أن ورشة الصيانة بقسم الخرطوم تقوم بجهد محلي لصيانة القاطرات الأمريكية القديمة بعد ان فرضت الولاياتالمتحدة حظراً على السكة الحديد ضمن الشركات السودانية المحظور التعامل معها ورغم أن الشركات السودانية الاخرى تحركت لتخفيف حدة الحصار عليها إلا أن السكة الحديد لم تجد خيارات اخرى فأحنت رأسها للعقوبات. والعقوبات التي فرضتها أمريكا منعت المؤسسات الدولية المانحة من تقديم أي عون للسودان من بينها البنك الدولي وصندوق المفوضية الأوروبية، أما الصناديق العربية فيبدو لي أنها وكان الأمل معقوداً على البنك الاسلامي للتنمية بجدة إلا أنه وجه كل مساعدات وأمواله لدارفور والجنوب، وفي ظل هذا الوضع أصبح لا خيار أمام هيئة السكة الحديد إلا الجهد المحلي والدعم من المكون المحلي. وللخروج من هذه الأزمة كان يجب على إدارة الهيئة ان تضع خطة خمسية أو عشرية ذات أولويات واضحة وأن تقسم عمليات التأهيل الى مسارات(Phases) ، تعطى الأولوية للمسار المهم، فمثلاً مسار الخرطوم- سنار- كسلا- بورتسودان.(Phase 1)، يُعطى الأولوية، ثم مسار سنار- الرهد- بابنوسة-واو- بابنوسة- نيالا (Phase 2)، يعطى الأولوية الثانية وهكذا. مخطيء من يقول إن السكة الحديد بعد هذا الانهيار لن تعود ثانية للمنافسة في سوق النقل، هذا قول غير صحيح.. إن للسكة الحديد ميزات لا تتوفر لغيرها من قلة تكلفة أو أسعار النقل وكبر حجم المنقولات، والوصول الى الأماكن النائية هذه الميزات لا تتوفر للنقل البري والجوي، ولا تحتاج هذه الهيئة في الوقت الراهن سوى تكثيف العمل لاستقطاب الدعم الخارجي، ويا حبذا لو قامت إدارة الهيئة بعمل اسبوع لنصرة السكة الحديد أو بما يسمى «نفرة السكة الحديد» تشارك فيها وزارة المالية والتعاون الدولي والاستثمار، ويا حبذا لو رعى هذا العمل السيد نائب رئىس الجمهورية علي عثمان محمد طه الرجل الذي يحمل هموم المؤسسات والهئات المتعثرة، لا شك أن مثل هذا العمل المكثف سيلقي الضوء على أزمة السكة الحديد حتى يشعر بها الناس وربما ينفرج الموقف بتدفق الدعم. في النهاية نود أن نسأل أين دعم السكة الحديد في الخطة الخمسية الاستراتيجية؟