? رغم أن ولاية الخرطوم تشهد منذ سنوات طويلة نزوحاً سكانياً من جميع أنحاء السودان لم يتوقف حتى اليوم، ولا نحسب أنه سيتوقف والبلاد تخرج من أزمة لكي تدخل أخرى. ? ورغم الكثافة السكانية في هذه الولاية التي تقول بعض التقديرات إنها تجاوزت العشرة ملايين نسمة. ? ورغم العطالة التي تعاني منها الأغلبية الساحقة من السكان.. ومئات الألوف منهم يقطنون في مساكن عشوائية تعوزها ضرورات البقاء كالماء والكهرباء «مثل مدن الكرتون» التي نشأت في ضواحي نيروبي وكمبالا ولاغوس وكينشاسا. ? ورغم الوضع المعيشي المتردي لسكان الولاية بسبب الارتفاع المستمر لتكلفة المعيشة. ? ورغم كل تلك المشاكل وغيرها -فإن الخرطوم مقارنة بالعواصم الإفريقية الأخرى- تنعم (حتى الآن) بقدر معقول من الأمن الفردي والجماعي. وربما كان هذا أحد الأسباب المهمة التي حدت بالمسؤولين في شرطة الولاية بتكثيف حملاتهم الإعلامية لتأكيد جاهزيتهم لمواجهة التحديات التي تواجه شرطة الولاية في هذا المنعطف الخطير من تاريخ البلاد. وأحسب أن تصريحاتهم لمراسل «الرأي العام» يوم الاثنين كانت جزءاً من تلك الحملة. فقد قالوا للمراسل النشط حافظ الخير إنهم بذلوا في الآونة الأخيرة جهوداً مضنية لتأمين الأحياء السكنية والامتدادات الجديدة التي مازالت تتمدد - باستخدام معينات لوجستية وفنية (بينها «051» عربة دورية مرتبطة بأجهزة اتصال على مدار الساعة) وأن شرطة الولاية أجازت خطة واسعة النطاق لتأمين العاصمة. ورغم هذه الجهود التي تبذلها شرطة الولاية التي ينبغي الثناء عليها -إلا أنها لن تحقق كما يأمل اللواء حمدي الخليفة «المدينة الفاضلة الخالية من الجريمة».. فليست هناك أية مدينة في العالم «فاضلة خالية من الجريمة»، فالمشكلة الأمنية تكمن في الحفاظ على الأمن ومكافحة الجريمة -هاجس الأجهزة الشرطية في كل دول العالم، ولا يمكن التغلب عليها دون معالجة جذورها. ? فمهما بلغت جاهزية الشرطة الولائية - فإنها لا تستطيع بمفردها مواجهة التحديات التاريخية- ولا يتوجب عليها أصلاً حل مشاكل العطالة وغلاء المعيشة. فالدولة بجميع مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية هي المسؤولة عن معالجة المشاكل الكثيرة التي يعاني منها المواطنون - (علاج وتعليم وخدمات أساسية أخرى). ? فإذا فشلت الحكومة في معالجة هذه المشاكل عليها أن تتوقع ثورة جياع تحرق الأخضر واليابس، لن تتمكن الأجهزة الشرطية من احتوائها مهما أوتيت من قوة!