* يقال إن النقد الفني كان قد خضع منذ القدم لاتجاهين رئيسيين: - إتجاه يقيم العمل الفني بمقدار ما يثيره في الجمهور من تأثير أو يحدثه في النفس الانسانية من بهجة، ويمكن ان يتصف هذا النقد بأنه نقد تأثيري أو انطباعي أو ذاتي.. وهنا نتساءل: * لماذا؟ لأن الناقد هنا لا يقيم العمل الفني بمعايير موضوعية وإنما يقيمه بمقدار ما يثيره في نفسه من تأثير وقد ساد هذا النقد بزيادة الإهتمام بالجانب الشعوري في الفن وارتبط خاصة وظهور النزعة الرومانسية في الأدب والفن، الفنون والآداب إلى تحطيم القواعد المتوارثة عن القدماء وأكدت حرية الفنان في التعبير عن ذاته واطلاق العنان لمشاعره الخاصة.. من هنا فقد أصبح الناقد الانطباعي لا يركن في تقييمه لهذه الفنون إلاَّ على تجربته الخاصة ومدى تأثره بالعمل الذي يتذوقه. وفي إطار هذا النقد الإنطباعي والذاتي أصبح الناقد بدوره ذا تجربة خاصة به.. بل أصبح بدوره مبدعاً وفناناً، وهذا إتجاه في النقد يقرب بين النقد وبين الفن.. أما الإتجاه الآخر في النقد فهو الاتجاه الموضوعي الذي يعتمد فيه النقاد على معايير موضوعية يقيمون على أساسها الأعمال الفنية والأدبية. فقد تكون هذه المعايير الموضوعية قواعد مستمدة من القدماء كقواعد أرسطو في الشعر والتراجيديا أو قواعد الشعر العربي المستمد من الخليل بن أحمد الفراهيدي. * وقد تستمد هذه المعايير من النظم الأخلاقية والسياسية السائدة في المجتمع فيكون النقد أقرب إلى تفسير البواعث أو الدوافع التي تظهر في إنتاج الفنان أو تؤثر في التذوق وهذا هو النقد الأيديولوجي الذي يحاول تفسير الفن على أساس المضمون الفكري.. ومن أهم اتجاهاته في العصر الحديث ما كان يعرف باسم الواقعية الاشتراكية.. أو ما كان يعرف فيما مضى بالنقد الماركسي الذي يقيم الأعمال الفنية على أساس موقف الفنان من الصراع الفكري أو السياسي الدائر في عصره.. كما يفسر الفن على أنه انعكاس للظروف المادية والإقتصادية.. وأهم ما يؤخذ على هذه المقاييس الفكرية والأيديولوجية أنها أقرب إلى تفسير فكر الفنان وتاريخ حياته أكثر منها تقييماً للعمل الفني ذاته. ولقد تأثر النقاد في هذا العصر بتقدم العلوم الاجتماعية وحاولوا تفسير تطور الذوق الفني على ضوء تطور العلاقات الاجتماعية نتيجة لما لاحظوه لدى القبائل البدائية من إرتباط الفن بالعمل الجماعي.. فقد ظهر نتيجة لتقدم هذه العلوم التي تتناول الانسان في سلوكه ومعتقداته. ان تصورات الانسان عن الأساطير التي كان يعتقدها إنما منشؤها هذه الطقوس التي كان يقوم بها الانسان في زمان سحيق ليقاوم عدوان الطبيعة أو عدوان القبائل الأخرى المعادية والمغيرة عليه.. بل ظهر أيضاً ان إىقاع العمل الجماعي وخاصة في العبيد أو الحرب، أو في الزراعة قد كشف عن إرتباط وثيق بين فن الإنسان البدائي وأسلوبه في الحياة.. وإنتهى علماء الإنسان «الانثروبولوجيا» إلى نتائج تبين تأثر الفن بالبيئة، ومن أمثلة ذلك تأثر فن البدائيين بصور الحيوان ومحاكاتهم له في فنون الرقص أو النحت أو التصوير، ومن هؤلاء الباحثين من أرجع السبب في ذلك إلى تقديس الحيوان في العقيدة الطوطمية البائدة.