التاريخ يحفظ العديد من الوقائع التى تبقى فى ذاكرة الامم ، وما حدث امس الاول من احتفال بإنفصال الجنوب عن الشمال فى استفتاء على تقرير المصير، بكل المقاييس هو حدث تاريخى، يحفظ فيها التاريخ للرئيس عمر البشير شجاعته التى وافق بها على انفصال الجنوب والاعتراف به كدولة، رغم ان مجرد الحديث عن تقرير مصير جنوب السودان فى فترة من الفترات كان محظوراً وأدى الى اغلاق بعض الصحف المحلية ( جريدة السودانى الدولية فى مطلع تسعينيات القرن الماضى) ، حيث لم يطرح مبدأ تقريرالمصير على المفاوضين وقتها فى المفاوضات التى بدأت بابوجا عاصمة نيجيريا وانتقلت الى كينيا، ولكن مع مرور الوقت وجلسات المفاوضات جاء بروتوكول مشاكوس فى يوليو 2002 والذى اقر مبدأ تقرير المصير، هذا التقرير فتح الباب لشعب الجنوب للاختيار بين وحدة طوعية أو إنفصال وقيام دولته، واختار الاخير، وقبلت حكومة السودان بخيار شعب الجنوب. وشارك رئيس الجمهورية المشير عمر البشير فى احتفالات اعلان ميلاد الدولة الوليدة والتى أكد دعمه لها واستقرارها لينعم الجميع بجوار آمن، يتم فيه تبادل المنافع والمصالح ، وكرس ذات المعانى رئيس دولة جنوب السودان الوليدة الفريق سلفا كير ميارديت وشهد بذلك العالم أجمع الذى تابع احداث يوم احتفالي وخطابى بكلمات سيكون لها ما بعدها فى مسيرة علاقات بين بلدين كانا لوقت قريب دولة واحدة، ويبقى السؤال ثم ماذا بعد الإنفصال ...؟ هذا السؤال عبر عنه الرئيس عمر البشير برؤية واضحة، حيث قال: ( إنَّ المكاسبَ التى تحققت، على مدى السنوات الماضية، من اقتناعٍ مُشْتَرك بجدوى السلام، واحترامٍ وانفاذٍ لبنود آتفاقية السلام، تُوْجِبُ أنْ نَحْمِيهَا بإستدامةِ السلام وتأكيده، بعلاقاتِ جِوارٍ إيجابية ومتميزة، وبمراعاةِ المصالح المشتركة من تبادلِ منافع اقتصاديةٍ وتجارية، بالمحافظة على الروابط النفسية والوجدانية والإجتماعية بين الشعبين، كما علينا مسؤوليةٌ مُشتَرَكَة ومُستمِرَّة،تُوجِبُ المُضىَ في بناء وتعزيز الثقة، لنكمل الإتفاق حول المسائل العالقة التى من شأنها تأكيد السلام،وتطفئ بؤرالخلاف والتوترات. اذاً رؤية الحكومة واضحة المعالم، أما رؤية الدولة الوليدة فقد سعى رئيسها سلفا كير لتأكيدها بانه : (لن ينسى مواطنى أبيي والنيل الازرق وجنوب كردفان ودارفور) والذين قال انه يتألم لما يتألمون، وسيعمل مع اخيه الرئيس عمر البشير والمجتمع الدولى الى التوصل الى حل بشأنها). ومن هنا فان قيادتي البلدين أمام تحدى تحويل الاقوال الى افعال لاستدامة السلام ومعالجة القضايا العالقة والنظر الى المصالح المشتركة وما أكثر ها ، فمن مصلحة الجنوب ان يستمر تدفق نفطه عبر الشمال وان تصبح الحدود مكاناً لتبادل المصالح بين ولايات التمازج العشر على حدود البلدين ، والاستفادة من ميناء بورتسودان فى الواردات والصادرات وميناء كوستى فى النقل النهرى مع اقامة منطقة تجارة حرة بكوستى واخرى بالحدود، بينما من مصلحة الشمال ان ينعم بجوار آمن تجسدت مكاسبه مع الجارة تشاد فى انهاء حالة التوتر بين البلدين وتعظيم المصالح المشتركة لتستفيد تشاد من ميناء بورتسودان وتنعم حدودها بالامن وتنهى الوجود المعارض لها بالسودان . وفى إعتقادى ان حل القضايا العالقة بين الشمال والجنوب يمكن ان يتم عبر تكوين آليات جديدة بعد ان اصبحت هنالك دولة جديدة بالجنوب وليس اقليماً داخل دولة. فآليات التعامل بين الدول واضحة تتمثل فى اللجان الوزارية والفنية واللجنة العليا التى يرأسها رئيسا الوزراء فى البلدين أو نائبا الرئيسين فى البلدين، ومن هنا أدعو الى ان يتولى الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية، رئاسة الجانب السوداني، ود.رياك مشار نائب رئيس دولة جنوب السودان، رئاسة اللجنة العليا من الجانب الآخر ويشرفان على تسوية ما تبقى من قضايا لمعاجتها فى اطار التعاون الثنائي بعيداً عن التدخل الخارجى او ما يسمى بالآلية الافريقية التى يترأسها تامبو امبيكى رئيس جنوب افريقيا الاسبق والتى لم تصل الى رؤية تنهى الخلافات بين الطرفين، لاسيما وان الاستاذ على عثمان هو من هندس ملف السلام وقادر بحنكته السياسية على طرح افكار جديدة لاستدامة السلام التى دعا لها رئيس الجمهورية فى خطابه فى حفل ميلاد الدولة الوليدة ، اما الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب فقد اكد بكلماته الجميلة والصادقة ذات المعانى القوية التى صاغها فى حق رئيس الجمهورية المشير عمر البشير وهو يقدمه لمخاطبة الاحتفال بأنه رجل دولة ويعرف الاصول ورد الفضل لاهله، فلولا شجاعة الرئيس البشير لما قرر الجنوب مصيره واصبح دولة ، ومن يحفظون الفضل يدركون قدر الرجال وعظم المسؤولية وضرورات المرحلة وحقن الدماء.. نأمل أن تجد هذه المناشدة صدها لدى قيادتي البلدين لضمان استدامة السلام وتجاوز بقية القضايا العالقة .. اللهم هل بلغت فأشهد