والليل يدخل نصفه الثاني كنت مع احد المهندسين نتجاذب اطراف الحديث في حوادث مستشفى الخرطوم حيث جمعتنا الظروف. وحوادث الخرطوم ليلها كنهارها فهي خلية نحل تضج بالحيوية ولا تعرف النوم ولا التثاؤب ولا نقصاً في عدد الناس من مرضى وممارضين وكوادر طبية، والشهادة لله فالسنوات الخمس الاخيرة فرضت علىَّ زيارات منتظمة راتبة سنوية لمستشفى الخرطوم خاصة الحوادث ففي الاعوام الاخيرة كنت ألحظ تطوراً ظاهراً في الخدمة الطبية وفي المعاملة، ففي المرة الاخيرة بالتحديد فان التحسن قد بلغ مرحلة طيبة فالعلاج اصبح مجانياً إلاًّ في القليل من الادوية غير الموجودة في صيدلية الحوادث وكل ادوات التشخيص اصبحت موجودة من مختبرات واشعة وامواج صوتية اللهم إلاًّ تلك التي تحتاج الى اجهزة متطورة كالاشعة المقطعية، والاختصاصيون موجودون على مدار الساعة ووفرة في الاطباء والممرضين. عودة الى صاحبي المهندس فقد لحظ ان الحوادث تعاني من خلل هندسي في توزيع الغرف والممرات والسلالم واثبت لي ان الشكل كان يمكن ان يكون مختلفاً عما هو عليه الآن ودلف الى مجاري المستشفى وتوزيع المقاصف والفراغات.. فقلت له على حسب علمي ان المستشفى به وحدة هندسية فأكد لي ذلك ولكن اضاف بان الكلمة في المستشفى للاطباء وان كلمتهم هي العليا وكلمة المهندسين لا يلقى لها وزن حتى في الشؤون الهندسية وحكى تجربة كان هو شاهد عيان فيها. تذكرت حديث الباشمهندس وانا اقرأ صحف الاسبوع المنصرم عن تصدع سد العوتيب وانه آيل للسقوط وان آثار سقوطه سوف تصل شندي فسألت نفسي هل ما حدث لهذا السد بسبب الضعف الهندسي أم أن ما حدث فيه اهمال للمهندسين وكلمتهم؟ وقد سبق لي ان كتبت في هذا المكان متسائلاً عن المهندسين وشوارع الخرطوم تصبح مسفلتة وتمسي «محفرة» فاتصل عدد كبير من المهندسين قائلين ان العيب ليس في المهندسين انما في الجهات الادارية التي لا تطرح المشاريع عبر عطاءات علنية وتفرض مواصفاتها وشروطها الجزائية، فالشغلانة كما قالوا لي تتم «ام غمتي» وكذا الاستلام. عادت بي الذاكرة الى ايام الجامعة ايام كان طلاب الكليات غير الهندسية عندما تكون لهم مباراة مع الهندسة يؤاخذون طلابها بالهتاف: «بيارة السوكي انهارت بيارة السوكي انهارت» والاشارة هنا الى المهندس مرتضى احمد ابراهيم شقيق فاطمة وصلاح والذي اقيمت بيارة السوكي في عهده عندما كان وزيراً للري فانهارت قبل ان تبدأ العمل فقال قولته المشهورة «فلتنهار البيارة ولتبقى الحقيقة».. ولنعود الى الاسبوع الماضي حيث حملت الاخبار ان الاممالمتحدة ممثلة في برنامجها الانمائي «UNDP» قد منحت كلية الهندسة بجامعة الخرطوم درجة جيد ويبدو ان هذا التقييم قد وجد القبول من ادارة الجامعة ونتمنى ان ينعكس ذلك على بقية كليات الهندسة في الجامعات الاخرى لتأخذ الهندسة في السودان مكانها اللائق بها فهي حتى الآن مغيبة وبفعل فاعل ولكن لا نعفي المهندسين من المسؤولية، مسؤولية الغياب.