? معظم القادة الذين بشروا بالدولة الصهيونية من العلمانيين الذين لم يشتهروا بالتدين. إلا أنهم أدركوا أهمية توظيف الدين لمشروعهم القومي السياسي وأفلحوا في ذلك بدهاء. اسسوا المدارس والمراكز الدينية وانفقوا عليها بسخاء وقدموا لها الإعفاءات المالية والإدارية لكي توفر للمجتمع ركيزة أيدولوجية متينة. رأينا التناقض بين الدولة الحديثة وبين غلاة المتشددين من خريجي المدارس والمراكز الدينية في أكثر من مناسبة أهمها ان رئيس الوزراء إسحق رابين عندما اتخذ قراراً سياسياً بالاتفاق مع ياسر عرفات اغتيل بيد أحد المتدينين المتطرفين. كما أن اريل شارون لم يجد استجابة عندما طلب من المستوطنين إخلاء مواقعهم بغزة واضطر لاستخدام القوة ضدهم. هناك بُعد اجتماعي لم يجد القدر الجدير به من النشر الإعلامي. فقد تولى بعض الحاخامات مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأخذوا يتصدون للفتيات في الطريق العام ويعلقون على الفساتين الضيقة أو القصيرة أو يحاولون الاعتداء على أماكن بيع الأشرطة أو الأفلام التي يعتبرونها داعرة فاضحة. تطور الموقف الآن ونشرت صحيفة التايمز اللندنية «27 مارس 2008م» تقريراً من شيرا فرنكل عن قرية بيت شميش بالقرب من القدسالمحتلة. يسكن القرية جماعة من اليهود الارثوذكس المتطرفين دينياً بدرجة ان كثيراً منهم ينادي بطرد العرب من إسرائيل. لوحظ ان السيدات أخذن يرتدين ملابس أشبه بالحجاب وبالنقاب الذي لا يبدي إلا العيون. أما الأساس الديني فمرجعه هو موسى الميموني الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي وكتب ان غطاء الشعر للنساء من التعاليم التي أنزلت على سيدنا موسى عليه السلام ووردت في العهد القديم. قابلت الصحيفة احدى النساء المنقبات فقالت لها إن احتشام النساء من السجايا التي لا بد أن تتوافر عند اليهود إذا أرادوا التغلب على العرب. والمعروف ان المتدينين اليهود يفصلون بين النساء والرجال في المركبات العامة التي يسيرونها هم كما يفصلون بينهم في حائط المبكى. خلصت الصحيفة الى وجود ما يجمع العرب واليهود رغم اختلافهم الظاهر للعيان. وقد طالعنا في الاسبوع الماضي نتائج زيارة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لإسرائيل واعتذارها لليهود عن المحرقة وتأكيدها بأن ألمانيا ملتزمة بأمن إسرائيل وحمايتها. بيد أن تلك الزيارة قد سبقها بيان ألماني على درجة قصوى من الأهمية، نشره عدد من المثقفين الذين زاروا إسرائيل ونشرته صحيفة «هآرتس» الليبرالية يوم 19فبراير الماضي. جاء في البيان أن إنشاء دولة إسرائيل العام 1948م كأحد ردود الفعل للمحرقة اليهودية النازية أدى الى تشريد الفلسطينيين الأمر الذي يجعلهم ضحايا للمحرقة النازية مثل اليهود. جاء في البيان الذي اختار له المثقفون الألمان عنوان «صداقة ونقد» ما يلي: «لولا محرقة اليهود لما أحست السياسة الإسرائيلية بأن له حقاً يجبرها على انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني وحقوق سكان لبنان»، ولولا المحرقة لما نالت إسرائيل الدعم المادي والسياسي من الولاياتالمتحدة ومن ألمانيا. أضاف البيان فقرة ذات مغزى هي: «لذا فإن إسرائيل لا ينبغي ان تكون وحدها المطالبة بمعاملة خاصة من قبل ألمانيا. لدينا كألمان مسؤولية لا تقتصر على بقاء إسرائيل فحسب، بل مسؤولية عن ظروف حياة الشعب الفسلطيني». مولت زيارة المثقفين الألمان إلى إسرائيل مؤسسة فريدريش آيبرت القريبة من الحزب الديمقراطي الاشتراكي المشارك في الحكم في ألمانيا. سبب البيان قلقاً في إسرائيل وقال أحد منتقديه إنه صادر عن أقلية لكنهم يؤثرون في الشباب ولا يصح أن نتجاهل آراءهم أو ندمغها بأنها معاداة للسامية. علينا أن نواجهها ونرد عليها. ومهما يكن من أمر فإن المثقفين الألمان الذين زاوا إسرائيل قد عبروا عن وجهة نظر جديدة لا تناقض ما قالته المستشارة الألمانية لكنها توسع نطاقه.