دون النظر السطحي في العلاقات الدبلوماسية بين السودان ومصر التي تقبع في خانة (الطبيعية)، فإن الراهن يشير الى ان هناك خطين متوازيين بدأت الظروف وربما السياسات في وضعهما على طول المسير بين الخرطوموالقاهرة.. ظروف السودان التي تلزمه بالاتجاه نحو التحول الديمقراطي، وسعيه لتنفيذ اتفاقية السلام في شقها الانتخابي ومستلزماته المتعلقة بموضوع التعداد السكاني دفعت بقضية حلايب (وهذا هو الخط الاول) الى الواجهة بعد ان ظلت لفترة ليست بالقصيرة امرا يحسن السكوت عليه حتى لا تعكر صفو العلاقات بين مصر والسودان، حتى ان مسؤولا حكوميا اتهم ذات مرة بعض القوى الخارجية بمحاولة الدفع بحلايب الى مقدمة الملفات بغرض الإساءة للعلاقات بين شطري وادي النيل. ولكن ملف حلايب تقدم الآن بدفع سوداني ذاتي، وليس من تلقاء اي طرف آخر يريد ان يعكر صفو العلاقة بين السودان ومصر، وتمثل الدفع الذاتي الاول في التعداد السكاني الذي يتحتم شموله منطقة حلايب، ولكن يبقى التفصيل بشأن كيفية اجرائه ضرباً من الرجم بالغيب، والثاني: في تأكيدات مجموعة من القيادات السياسية (الرئيس البشير، ود.نافع، ود.امين حسن عمر) على سودانية حلايب وعدم التفريط فيها. ولكن الشاهد هو انه لم يرشح من الجانب المصري حتى الآن اي طلب بعدم اثارة موضوع حلايب ولو اعلاميا، كما كانت تفعل في السابق عقب حسمها لهذا الامر على طريقة وضع اليد بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس حسني مبارك في يونيو 5991م. ووفقا للموسوعة الحرة فإن القاهرة مارست سياسة الإحتجاج بشأن حلايب في بواكير عهد الانقاذ وتحديدا في العام 1992م حيث اعترضت مصر على اعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية فقامت الشركة بالانسحاب حتى يتم الفصل في مسألة السيادة على المنطقة. بموازاة اعادة فتح ملف حلايب مرة اخرى ولو اعلاميا فإن الانباء تتكاثف نفيا واثباتا (وهذا هو الخط الثاني) حول استقدام فلاحين مصريين للعمل في مشاريع زراعية مستحدثة وقائمة،او فتح الباب امام توطين ملايين المصريين في السودان من واقع حاجة السودان بمساحته الشاسعة الى الايدي العاملة، ورغم صدور نفي رسمي من الحكومة السودانية لموضوع استقدام هذا العدد المهول من المصريين، الا ان اتفاقية الحريات الاربع بين البلدين(حرية التملك، وحرية العمل، وحرية التنقل، وحرية الاقامة) في حال تنفيذها بالكامل يمكن ان تتيح نظريا دخول هذا العدد. ولكن اذا كانت الاتفاقات عاجزة عن النزول من الاوراق الى الارض، فإن الازمات يمكن ان تقوم بجزء من ذلك.. ازمة الخبز في مصر دفعت القاهرة للتفكير جديا في الاتجاه جنوبا بحثا عن زراعة القمح في مظانه، وازمة الاسمنت في السودان لم تترك للخرطوم خيارا الا الطلب من الاخوة المصريين بحرية التنقل ولكن للاسمنت، وهي خطوة ربما تبعها حرية التنقل للافراد.