السياسة على الأرض لا تنتظر من أحد أنْ يطلب منها اعطاءه دروساً، فهي تمنح دروسها بلا استئذان... تُلقي الدرس بلطفٍ داخل الرأس، أمّا الذين يأبون الدرس فهي تعطيه لهم على رأسهم! أمشي موازياً لمجرى السياسة، لذلك تطوّعتْ مدرستها بتلقيني دروساً موازية... من حُسن حظي أنّني لم أتَرَفّع عن أنْ أكون من التلاميذ الدائمين في مدرسة السياسة، لذلك ألقتْ علىّ دروسها برفق داخل رأسي، ولم تضربني بها على الجُمجُمة! من الدروس المفيدة التي علمتني لها مدرسة السياسة النجيبة أنّ القائد الذي يتصوّر يوماً أنّه بلغ مكاناً عَليّاً في تصنيفات التاريخ تزيحه السياسة عن هذا المكان في ذات اليوم أو الأيّام التى تليه! في 6 اكتوبر سَجّل الجيش المصري نقاطاً بارزة ومهمّة في البورصة العسكريّة... فقد كان عبور قناة السويس من الغرب إلى الشرق بمغامرة مدروسة أو غير مدروسة مستحيلاً بالمقاييس العسكريّة السائدة... وبقدرات عسكريّة مُدَرّبة وتوّكل على الله وخطة لا تخلو من الدهاء الاستراتيجي، عَبَرَت القوّات المصريّة قناة السويس بعد أنْ هتكت عُذريّة خط بارليف... وتحوّل كل ذلك إلى رصيد سياسي وعسكري وشعبي للرئيس السادات في أرصدته في بنك السياسة! من العِبَر أنّ يوم 6 اكتوبر كان يوم عرس السادات السياسي، فقد احس المصريون وكل شعوب الطوق أنّ الاسطورة الاسرائيليّة قد تحولت إلى مادة للاستهزاء... ومع ذلك كانت ذكرى يوم العرس السياسي الثامنة يوم اغتيال الزعيم انور السادات، ومثلما رأت العيون الراصدة في كل الدنيا زعيما متوّجا بوهج نصر عسكري، رأته بعد ثمانية أعوام يقتله أحد ضباط جيشه الصغار المغمورين على منصّة الرئاسة، والرئيس السادات غير مصدّق للذي يحدث أمامه ويصيح بصوت سمعته بعض الوكالات: مش معقول! منتهى القسوة من السياسة في اعطاء دروسها، أنْ يرى شعبٌ قائده فى يوم نصره... ثمّ تدور السنوات ثمانية دورات فيراه الناس في ذات اليوم تغتاله بندقيّة آليّة تتبع لجيشه... يراه في اللقطة الأولى عابراً من قناة السويس إلى سيناء، وفي اللقطة الثانية يراه عابراً من الدنيا إلى الآخرة!!