سعدت بترقية وتعيين الفريق شرطة د. «العادل عاجب يعقوب» نائباً لمدير عام الشرطة السودانية ومفتشاً عاماً، ومصدر سعادتي معرفتي بتأهيله المهني والأخلاقي لشغل هذا المنصب الحساس في الفترة الحرجة التي تمر بها بلادنا، هذا إضافة لانشغالي بهم الأجهزة العدلية بحكم خلفيتي القانونية. فالرجل ورغم لعبه أدواراً مهمة لها علاقة بمستقبل البلاد مثل مشاركته في مفاوضات نيفاشا ومساهمته في صياغة الدستور الحالي وقانون الشرطة إلا أنه ظل بعيداً عن الأضواء لطبيعة شخصيته المتواضعة الزاهدة. فليسمح لي القارئ العزيز بمخالفة العادة السودانية السيئة بعدم ذكر مناقب الشخص إلا بعد موته وذلك عبر استعراض ومضات سريعة من ملامح شخصية سعادة الفريق عادل العاجب. فقد كانت أول معرفة لي به في العام 1991 عندما كان يحضر دراساته العليا في القانون الدولي بجامعة الخرطوم وذلك إبان عملي في كلية القانون كمساعد تدريس، وتوطدت العلاقة بيننا خلال مشاركتنا معا في دورتين تدريبيتين لحقوق الإنسان في مدينتي أستراسبورج الفرنسية ولاهاي الهولندية في عامي 1992 و 1994، وقد أتاحت لي تلك الفرصة معرفة الرجل عن قرب، ويقيني أن معرفة الرجال تتم بوضوح خارج أرض الوطن عندما تصقل معادنهم نيران الغربة، فقد إتضح لي أن «عادلاً» يجمع صفات حميدة يندر اجتماعها في فؤاد شخص واحد، فهو شديد التدين والورع لدرجة مواصلة سنة الصيام تطوعاً في صيف أوربا الذي تغيب شمسه بعد العاشرة مساء، كما أنه شديد التهذيب قليل الكلام يتحدث فيما يعنيه عندما يكون لديه ما يقوله. كما يتمتع «عادل» بحس أمني عالٍ مكنه من كشف غموض سلسة سرقات وقعت في المجمع السكني الطلابي في لاهاي قامت بها زميلة مستغلة جمالها وعذوبة حديثها، مما اضطرها للهروب قبل انتهاء الدورة متعللة بمرض أحد والديها. ويتميز سعادته كذلك باحترام تام للقوانين في كل ظرف وزمان ومكان وذلك بتواضع ودون استغلال لسلطات، وأذكر أنه تم استيقافنا ذات مساء في طريق عام بطريقة مستفزة من قبل الشرطة الهولندية، فما كان منه إلا وتعاون معهم وسمح لهم بتفتيش أمتعته دون ذكر أو تلميح إلى أنه زميل مهنة برتبة رفيعة تتطلب معاملته بمراسم بروتوكولية معينة. أكثر ما يلفت نظري في سعادة الفريق أنه يقبل الآخرين كما هم لا كما يتمنى، ويحصر تأثيره عليهم بأفعاله المطابقة لأقواله، لا بالنصائح المنبرية، وأذكر أن محاضراً مسيحياً هولندي الجنسية كان يتميز بالتأمل والبحث عن الحقيقة في العالم الغربي الذي تسيطر عليه المادة، وقد سأل المحاضر ذات يوم «عادل» عن سر تصالحه مع نفسه وراحة البال التي تظهر عليه، فرد عليه «عادل» بابتسامة معبرة، وعندما لاحظت عدم اكتفائه بالابتسامة رددت عليه بأن الأمر ربما له علاقة بقوة إيمان «عادل» وطريقته الصوفية الزاهدة في تناول أمور الدنيا، وتحدثا بعد ذلك عن أسمى معاني التصوف. وقد التقيت بذلك المحاضر في فبراير 2007 في لاهاي بعد انقضاء أكثر من «21» عاماً من ذلك الموقف في معهد الدراسات الاجتماعية أثناء مراسم الاحتفال بحصول الصديق «محمود الزين» على درجة الدكتوراة. وقد عرفني بمجرد رؤيته لي، وسألني بعد الاطمئنان على أحوالي عن «عادل»، فأخبرته أنه بخير وأنني سألتقيه بعد شهر في السودان، فطلب مني إبلاغه برسالة مفادها (أن الله قد هداه للإسلام وأنه أخذ الطريق على يد شيخ في المغرب). فما كان من «عادل» عندما أخبرته بفحوى الرسالة إلا أن حمد الله وأثنى عليه وطلب مني الحضور إليه مرة أخرى لأنه يريد أن يحملني هدية للمحاضر عبارة عن جلابية سودانية وطاقية وسبحة. أهنئ الشرطة السودانية بأن يكون ضمن من يتسنمون قمة هرمها القيادي رجل في قامة الفريق شرطة د. «العادل عاجب يعقوب»، ففي إسناد الأمر لأهله محافظة على الأمانة كما اخبرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: ( سأل أعرابي الرسول متى الساعة؟، فقال صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة، قال: وكيف إضاعتها يا رسول الله ؟، قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).