ورحل المعلم ومربي الأجيال الرجل الصالح والمثقف الأستاذ عبد القادر محمد بابكر الذي يشهد له أهلنا في حوش بانقا وشندي بالكثير من الإخلاص في عمله، وأخلاقه الحميدة والذي يعتبرونه واحدا من الأسرة. الفقيد المعلم المتميز عبد القادر محمد بابكر كان مديراً لمدرسة حوش بانقا للبنين ثم تحول مديراً لمدرسة حوش بانقا للبنات، أكثر من عشرين عاماً قضاها هذا المعلم الصالح بين أهلنا هناك ويحفظون له كثيرا من الود والتقدير، وعمل في عدد من المدن في ولاية نهر النيل. أولاده محمد عبد القادر وصلاح وأخواته وإخوانه كانوا جزءاً من أسرتنا، والمربي والمعلم الراحل جاء من الشمالية من بلاد الشايقية من منطقة »جلاس« حيث نبتت جذوره هناك، وتربطه بالدويم وشائج أسرية قوية، وعندما يأتي لزيارة ابنه محمد نائب رئيس التحرير بالرأي العام لا يدخل الى مكتب ابنه أولاً ، يذهب ويجلس في معظم الأقسام، وكان عندما يزورني في المكتب أو أذهب اليه في مكتب ابنه محمد المجاور لمكتبي نجلس معه كالتلاميذ وما زالت روح المعلم تتملكه، ومازالت روح الوالد الذي يهتم بأبنائه في داخله، كان يقدم له النصائح ، ويصحح له الأخطاء اللغوية عندما تصل طريقها الى بعض مقالات الجريدة. الراحل المقيم كان باراً بأولاده وبناته أحسن تربيتهم جميعاً وجميعهم مثل والدهم في الأخلاق العالية والاهتمام بالقراءة وفي الشطارة ، كان يشكل مع محمد وأخوانه حلقة أصدقاء الاحترام بينهم عال بشكل لا يتصور والابتسامة لا تفارقهم ولا تشعر بأن هذا الرجل والد هؤلاء الشباب المتميزين في كل شئ ، حرص أن يتزوج أبناؤه في سن مبكرة، وكان يقول إن الزواج المبكر يشكل حصانة للأولاد وهو نصف الدين ونادراً جداً أن تجد مثل محمد وصلاح في الأخلاق الفاضلة، وفي احترام الآخرين وفي الوفاء النادر والأدب الجم. لقد كان بالنسبة لنا والدا وأبا روحيا ، فهو لا يفرق بين أولاده وأولاد أهلنا في حوش بانقا، وما زال يتذكر الشطار من أبناء الأسرة مأمون بلال ومحمد حسن احمد البشير وغيرهم من أبناء الأسرة المتميزين. كان رجلاً هادئ النبرة وموضوعيا في طرحه وهذه صفة من صفات الانسان المتميز والمتمكن من علمه ومعارفه وثقافته. كان مهتماً شديد الاهتمام بهندامه، دائماً يرتدي جلابية بيضاء ناصعة البياض مثل قلبه وعمامة ملفوفة بعناية من أرقى وأجود أنواع العمم وشال في منتهى الأناقة وكأنه ذاهب الى مناسبة عزيزة ، أي كان مهتماً للغاية بهندامه السوداني هكذا كانت طلة الراحل العزيز علينا في الصحيفة ، كانت تشكل فرحة عظيمة لنا وفرصة لنسأل في اللغة وتعقيداتها وفي بعض الأحاديث النبوية وبعض الفتاوى. للمربي الراحل الأستاذ عبد القادر احساس قوي بالأبوة لكل زملاء أولاده، لقد كان رحيله فقداً كبيراً ليس لأسرته فقط وانما لكل من يعرفه خاصة لنا نحن في الرأي العام. الرجل لم يحصر جهده ومعرفته في التدريس، فقد كان رئيس نادي حوش بانقا الرياضي، وكان أول قرار يصدره بمنع لعب الورق »الكوتشينة« في النادي، وكان ادارياً ناجحاً ووجد هذا القرار ترحيباً كبيراً، وصعد بالنادي الى آفاق رحبة وحقق نجاحات باهرة للنادي والفريق الرياضي. وقد أدخل الرجل الكثير من القيم الرفيعة في مجال الرياضة، وجاء بخطاب رياضي مختلف تماماً. كان رحيله المفاجئ فجيعة كبرى لنا ولأسرته فقد ذبح أضحية ابنه صلاح صباحاً وانتظر مع أولاده وفجأة وهو يجلس في التلفزيون اسلم الروح لبارئها بكل هدوء، وهذا جزء من صلاحه، اذ لم يتعب ولم يكن يشعر بشئ ولم يذهب للمستشفى. لقد فقدنا الأب الروحي لنا جميعاً، ونسأل الله أن يرحمه بأكثر مما قدم لشعبه ولوطنه ولتلاميذه، ونسألب الله أن يعلمنا جميعاً نحن أصدقاء أولاده وأسرته من بنين وبنات وزوجة الصبر والسلوان وحسن العزاء. إنا لله وإنا إليه راجعون.