عنصر المباغتة شكل سمة بارزة في الربيع العربي . إثارة المفاجأه اقترنت بإنتفاء وجود خط أيديولوجي للثورات الشعبيه العارمة . الشوارع والساحات العربيه التهبت في غياب أية قيادة كرازماتية أو فكرية ملهمة أو سياسية قائدة . هذه الخطوط تمنح الربيع العربي فرادة في التاريخ إذ استطاعت الجموع الشعبيه تحقيق انجازات استثنائية عبر تعبئة جماهيرية اتخذت مسارات تلقائية . الثورات التونسية كما المصرية والليبية أطاحت أنظمه مسرفة في الاستبداد على نحو جعل اقتلاعها بمثابة معجزة . الربيع العربي خرج بهذا الاستثناء عن النص التاريخي للثورات منذ أشعلت النخبة الفرنسية قبس التنوير ثم شعلة الثورة في القرن الثامن عشر . السيناريو الروسي لم يكن مطابقا للنص الفرنسي غير انه لم يكن مناقضا . هناك قاد لينين البلاشفة لوضع نهاية للنظام القيصري ووضع روسيا على طريق الاشتراكية في ضوء منهج ماركسي . في الصين قاد ماوتسي تونغ ثورة صنعت من وطنه نمرا اقتصاديا وثابا فيما بعد . حتى عندما ثارت شعوب اوروبا الشرقيه ضد هيمنة الامبراطورية السوفياتية وجمود النظام الشيوعي وفساده نهضت نخب في مقدمة شعوب . البولونيون أشعلوا شرارة الثوره بتحالف بين نخبة مثقفة ونقابات العمال . عندما تسلق ليش فاليسيا جدار حوض غدانسك بدأت روح الثورة تنسرب في شرايين الكتلة الشرقية المتيبسة . شعراء و موسيقيون ألهبوا شعوبهم في تشيكوسلوفاكيا وجورجيا والمجر . كما عجزت النخب العربية عن إنجاز مهام البناء الوطني في مرحلة الاستقلال تقاعست عن النهوض بأعباء الثوره المستنسخة عن مراجع ليبرالية في الغرب او اشتراكية في الشرق . كل التجارب العربية انتهت الى ديكتاتوريات مشوهة بقبعات عسكرية في معظمها . الربيع العربي فاجأ نخبتنا القعيدة إذ حجب إعشاؤها المزمن رؤية بوادر الثورة الشعبية العارمة . الأنظمة العربية أفلحت في استقطاب قطاعات عريضة من المثقفين العرب بالترغيب غالبا والترهيب أحيانا . من رفض التلوث ضاق به الوطن فاضطر إلى الهروب إلى المنفى اختيارا أو قسرا . الطوق الأمني الضاغط قلص فرص الحراك فغيب فرص مراكمة تجارب شخصية من شأنها بناء قائد جماهيري . هكذا وجدت الشريحة السياسية نفسها محشورة في مأزق حرج غداة التهاب حركة الجماهير إذ أصبحت تلك الشريحة في العربة الأخيرة من قطار الثورة . القفز إلى كابينة القيادة يمثل قرصنة تدمغ مرتكبيها بجريمة سرقة الثورة . المراوغة بين الإستسلام للبقاء في الظل وخيار القفز إلى المقدمة طغى على الطبقة السياسية التقليدية . المأزق التاريخي لم يعد وقفا على النخبة . الثورة نفسها دخلت مرحلة حرجة . الطلق الجماهيري لم يفرز قيادات وليدة قادرة على الإمساك بزمام الأحداث . التضاريس على الساحة اليمنية تتطلب مهارات أكثر مما لدى الهواة المسلحين بالحماسة . جرأة الشارع السوري لا تعين وحدها على رفع ركام نحو نصف القرن من التكلس السياسي والعسكري . ثقافة القبضة الأمنية بثت الشكوك أكثر من تعزيز الثقة . هذا الحال لا يقتصر على سوريا او اليمن بل يطال مصر ، ليبيا وتونس . الربيع العربي لا يزال يبحث عن الإلهام على صعيد الرؤى والقيادة . إقتلاع النظام لا يعني نهاية الأزمة .على النقيض مع استهلال المرحلة الإنتقالية يستحكم المأزق . إذ تبدو ثمار الثورة اقرب إلى الطبقة السياسية التقليدية الجالسة على الرصيف عند بدء رياح الربيع . ثمة قلق يتصاعد من قطف الإسلاميين ثمار الربيع العربي . التجربة التونسية مؤشر واضح لما سيكون عليه الحال في مصر . اللغه المتداولة والوجوه المتعاقبة على الشاشة في ليبيا توضح بجلاء مصير الوضع هناك . في كل المدارات العربية يبرز الاسلاميون أكثر تنظيما وأصلب عودا . قراءة الواقع على هذا النحو ينبغي ألا تثير الخوف او القلق كما هو باد حاليا . السؤال الملح يتعلق برؤى كل تيار إسلامي في كل بلد . من غير الممكن اتخاذ موقف موحد ضد الاسلام السياسي إذ لا يوجد إسلام سياسي واحد يصلح لكل الأقطار . لكل بلد خصوصية تنفي إمكانية استنساخ تجربة من الخارج . الأنموذج التركي غير قابل للتطبيق في مصر . المجتمع التونسي ليس مطابقا للليبي . الإسلام السياسي دخل في طور التباين في الرؤى منذ اعتزل واصل بن عطاء مجلس حسن البصري واتخذ حلقة في المسجد نفسه في البصرة ذاتها .