بعد الجدل المثار هذه الأيام حول تغيير السلم التعليمي في السودان ، بإضافة سنة رابعة بالمرحلة الثانوية ،حتى يكتمل السلم التعليمي بالسودان إلى( 12 )عاما دراسيا بدلاً عن( 11 )عاما في السلم الحالي ، أيقنت تماما أن وزارة التربية تعمل في ما يخص التلميذ بالمثل المصري ،(دخله جحش وخرجه حمار) ، حيث أن جميع وزراء التربية في فترة الإنقاذ لم يهتموا أبدا بالطريقة المثلى لمخرجات التعليم، إنما كان اهتمامهم ينصب على الناحية الشكلية وليس مضمون العملية التعليمية. القائمون على أمر التعليم لم يهتموا بتطوير المناهج الدراسية و لا طرق التدريس ، وأهملوا المعلم ولم يهتموا كذلك بالبيئة الدراسية والتي لا تتوافر فيها أبسط معينات العمل من طباشير وكهرباء ومياه وغيرها ، فضلا عن تخلف الوسائل التعليمية وغياب الأهداف التربوية . قبل فترة قرات تصريحا مثيرا للشفقة والرثاء على حالنا ،من احد الخبراء التربويين قال فيه إن السودان يقدم اضعف مساهمة في التعليم على مستوى الدول الإفريقية والعربية ماعدا موريتانيا والصومال ،وأشار إلى انه يخصص ثمانية في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم، وأوضح أن ولاية الخرطوم تدفع( 1%)من المنصرفات على التعليم غير المرتبات، وتدفع مجالس الآباء( 94.4% و2.5%) من اعتمادات أخرى، وان ولاية الجزيرة تدفع (1%) و مجالس الآباء( 44%، و 50%) من مصادر أخرى، بينما تدفع ولاية سنار( 4.3%) و مجالس الآباء( 74%. )، كل هذه الأرقام الضئيلة ، المخجلة تشير إلى أن القائمين على أمر الدولة والتعليم لا يضعون التعليم في أولوية أجندتهم ولا في آخرها حيث أن الميزانية هي المحك الحقيقي لمعرفة تقدير الدولة لهذا القطاع . المفارقة أن الإنقاذ جاءت قبل أكثر من عشرين عاما، وهي تحمل في جرابها عدة شعارات تحت عنوان المشروع الحضاري، ولم يكن يبدو من هذا المشروع ذا العنوان المبهر إلا خطوطا عريضة، لم يعرف ولاة الإنقاذ كيفية إنزالها إلى ارض الواقع حتى الآن. “المشروع الحضاري” اسم يشي بأن الإنقاذ تعد السودانيين بدولة ومجتمع حضاريين ، وقد صاحب هذا الشعار في ذات الوقت مقولات جديدة على آذاننا أهمها كانت مقولة “إعادة صياغة الإنسان السوداني “ وفسرها المثقفون حينها إن الإنقاذ تريد وضع أسس جديدة للتربية والتعليم ، حيث أن المؤسسات التربوية التعليمية هي الجهة الرئيسة التي يناط بها إعادة صياغة الإنسان في الاتجاه الذي يخطط له ..لكن الإنقاذ فاجأتنا بتخبط سياستها التربوية والتعليمية وتوقفت عمليات الصياغة “محلك سر”. كل المؤشرات السابقة تؤكد أن التلميذ السوداني يدخل في العملية التعليمية ويخرج منها بخفي حنين، فعلى الدولة أن تتوقف عن جر شوك “التجريب “ على جلد الجسم التعليمي ، وأن تلتفت إلى المشاكل الحقيقية التي يعاني منها قطاع التعليم، وان تقوم بوضع ميزانيات واستراتيجيات وخطط للنهوض بالعملية التعليمية والتربوية ، وإلا فلن تقوم قائمة للمشروع الحضاري “المزعوم” بهذا الواقع الذي يعيشه التعليم أبدا.