يمر الحزب الشيوعى فى الوقت الراهن بتحديات ستعصف بما تبقى من كيان الحزب الذى شهد تاريخيا إنقسامات وإنشقاقات وصراعات حول قضايا سياسية وحزبية بين مختلف التيارات داخله. مثلما واجه الحزب صعوبات داخلية فى عقد مؤتمره العام الخامس الذى أنعقد فى 2009 بعد إنقطاع أستمر لعقود (آخر مؤتمر كان هو المؤتمر الرابع في 1967م!)، و يواجه الحزب اليوم تحديات أصعب بمراحل من تلك التى كان قد واجهها فى الماضى. إن التجاذبات حول عقد المؤتمر العام السادس للحزب الشيوعى ستضعه على أعتاب مرحلة حاسمة، على المستوى التنظيمى الداخلى او الخيارات السياسية او الرعاية الخارجية التى كانت توفر الحزب بعوامل البقاء ولكنها تلاشت مع إنهيار الاتحادى السوفييتى والكتلة الشيوعية وتراجع تأثير الشيوعية كفكرة عالميا. العقل الجمعى وحملت وسائل الاعلام مؤخرا انباءا عن تأجيل الحزب الشيوعى لمؤتمره السادس للمرة الثالثة على التوالى رغم توجيه اللجنة المركزية للحزب خطابا داخليا على الفروع والمناطق والهيئات والماكتب المركزية بتحديد الفترة بين24-26 ديسمبر 2015م كموعد لقيام المؤتمر قل أن تعود ذات اللجنة المركزية لتقرر فى إجتماعها الاخير بتاريخ 27 يناير الماضى والذى خصص لمانقشة سير التحضيرات لعقد المؤتمر لتقرر تأجيل عقد المؤتمر العام السادس دون تحديد موعد لذلك وتعلك اللجنة المركزية بأن "عدد من المناطق لم تعقد مؤتمراتها وأن المناقشات للوثائق ضعيفة! ولاتعبر عن العقل الجمعى للحزب!" وأن "التقارير الاساسية لم تكتمل هى الاخرى حتى تُجاز من اللجنة المركزية". الحزب العجوز ويرجع مراقبون تأجيل المؤتمر العام السادس للشيوعى للأزمات الداخلية التى يعشها الحزب والصراعات بين تياراته. وفجّر الاعلان عن تشكيل لجنة لمحاسبة القيادى التاريخى بالحزب وعضو المكتب السياسى للحزب بحجة عقد إجتماعات مع خمسة آخرين خارج الأطر التنظيمية، الأزمات المكتومة التى يعيشها الحزب العجوز. فالقيادة الحالية، ممثلة فى محمد مختار الخطيب وصديق يوسف، تُعادى بشكل كبير التيار الذى يقوده الدكتور الشفيع خضر وهناك من يقول ان قرارات محاسبة الرجل لا تستند لمبررات قوية إنما هى ذريعة لإبعاد الرجل الذى يعتبر السياسى والمفكر الوحيد القادر على الوصول الى زعامة الحزب فى حال جرت عملية إختيار القيادة خلاله بشفافية. ويورد هؤلاء المراقبين واقعة الإستقبال الحار الذى وجده الشفيع خضر خلال مشاركته فى المؤتمر العام الخامس للحزب وما يدور الآن من مناقشات حول عدم شفافية فى إختيار السكرتير الحالى للحزب تحت غطاء "التوافق". وتتهم القيادة الحالية خضر بأنه بذل محاولات عدة لتعطيل قيام المؤتمر العام الخامس للحزب وانه مستمر فى لعب نفس الدور بهدف عرقلة قيام المؤتمر السادس، إلا ان البعض يرد على ذلك بالتأكيد بأن نفوذ الشفيع خضر يقلق القيادة الحالية المتحلقة حول السكرتير العام الحالى محمد مختار الخطيب. تيارات متصارعة ولكن لايقف الصراع بين تيار الخطيب وتيار الشفيع خضر التنافس على موقع السكرتير العام للحزب، ولكن يتعداه الى قضايا أخرى أكثر حساسية. فالشفيع خضر يقود تيار يدعو للتغيير الجذرى داخل الحزب ربما يطال كثير من المسلمات التى ظل الحزب يتمسك بها، كما أن يرى نفسه الأجدر بقيادة الحزب لكونه مفكر وكاتب لايدانيه إلا السكرتير العام الراحل محمد ابراهيم نقد، كما أنه يتمتع بكارزيما وحضور كبير فى الساحة داخليا وخارجيا أكثر من الخطيب وصديق يوسف أو ايا من القيادات التى تقف فى صفهم. إزدواجية معايير يعتبر إيقاف الشفيع خضر ومجموعته-والتى تضم مصطفى خوجلى، صلاح عوض، أسامة الميدان، هاشم التلب- حيلة للتخلص من تيار عريض يقوده خضر يهدد مستقبل القيادة الحالية، كما تقول بعض القيادات أن لجان المحاسبة والتحقيق مع بعض القيادات–خاصة الشفيع خضر- تمارس إزدواجية معايير فاضحة بحسب هؤلاء، فاللجان التى تشكل للبت فى البلاغات والتهم ضد بعض الرفاق تتحكم فى قراراتها اللجنة المركزية التى تغض الطرف على تجاوزات تنظيمية توصف بالخطيرة كانت قد وردت اليها فى بلاغات عديدة ضد بعض المقربين من القيادة الحالية بشكل كيدى. يرى تيار السكرتير الحالى للحزب ان المرحلة التى يمر بها الحزب لا تحتمل بروز تيار قوى كذاك الذى يقوده الشفيع خضر فالأولوية للصراع مع الحكومة وحزبها الحاكم وتكثيف الضغوط الخارجية عليها ما أمكن، بجانب الضغوط الداخلية ممثلة فى ورقة العمل المسلح والتحالف مع الجبهة الثورية. وكذلك يرى تيار الخطيب أن الحزب الشيوعى يتراجع فى الساحة السياسية امام قوى جديدة وضيق مساحة المناورة أمامه بعد تفكك الجبهة الثورية وتحالف "نداء السودان" ومأزق المعارضة مع وثيقة خارطة الطريق التى قدمتها الوساطة الافريقة مؤخرا، فتحالف "قوى المستقبل للتغيير" الذى يتزعمه د.غازى صلاح الدين يتكسب أرضية داخلية على حساب خيارات الشيوعى، ورهاناته الخاسرة على تحالف "قوى الإجماع الوطنى". بينما من المتوقع ان يقود تيار الشفيع خضر الحزب الشيوعى فيما لو نحج فى إكتساح المؤتمر العام السادس للحزب والسيطرة على مفاصل الحزب سيقود الحزب نحو خيارات اخرى لاسيما وأنه يتحدث عن إصلاح جذرى لخيارات وبرامج وخطاب الحزب التى أثبتت الايام فشلها.