توافدت قيادات من المعارضة السودانية إلى مدينة باريس بفرنسا ممثلة في قوى نداء السودان وانخرطت في اجتماعات منذ صبيحة يوم الاثنين واستمرت حتى الخميس لمناقشة تطوير آليات تحالف نداء السودان وتوسيعه، ذلك على الرغم من حالة الضعف السياسي والانقسامات التي طالت صفوف الحركات المتمردة والأحزاب المعارضة المتحالفة معها. وجاء البيان الختامي لهذه الإجتماعات ليؤكد هذه الحقائق، فهذه الحركات ما زالت عاجزة عن تطوير آلياتها للتعامل مع المتغيرات السياسية في الواقع السوداني. وفي حين توقعت الأوساط السياسية جديدا في لغة الخطاب للمتمردين خاصة بعد توقيع الحكومة على خارطة الطريق التي طرحتها الوساطة السودانية لحل مشكلات السودان كافة، عاد البيان لإستخدام ذات اللغة القديمة بالحديث عن "إعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية في فترة ما بعد تفكيك النظام عن طريق الانتفاضة الشعبية". كما أن البيان ذكر العبارة التي ظلت تتردد في البيانات السابقة وهي المطالبة بتحقيق" الحل السياسي الشامل" وهو ما لبته إتفاقية خارطة طريق الوساطة الإفريقية. ورغم أن الحركات المتمردة فشلت في تحقيق أهدافها خلال المواجهات العسكرية وظلت تتلقى هزائم متلاحقة خسرت بموجبها معاقلها، إلا أنها تحاول أن ترسل إشارة للمجتمع الدولي بأنها مازالت فاعلة وذات القدح المعلى في خارطة العمل السياسي السوداني وذلك بتقاربها مع حزب الأمة القومي من جهة والتنسيق مع قوى المستقبل من الجهة الأخرى. يأتي اجتماع باريس بعد رفض هذه القوى التوقيع على خارطة الطريق وانتهاء المهلة الزمنية التي منحها الاتحاد الأفريقي للحركات المسلحة للتوقيع عليها، ومثل توقيع الحكومة على الخارطة صفعة قوية في وجه المعارضة. فقد اعتبرت الآلية موقف الحكومة السودانية التزاماً وتسريعاً منها في إكمال المفاوضات والإسراع بعملية السلام والحوار الوطني، على الجانب الآخر شددت الوساطة على أن الحوار الوطني سيكون وثيقة شاملة تناقش فيه جميع القضايا وتنهي الحروب في السودان الأمر الذي اضعف موقف المعارضة وجعلها في مأزق في مواجهة المجتمع الدولي الذي يمارس ضغوطاً عليها للتوقيع، سيما وأن الحركات المسلحة وخلال جولة المفاوضات الأخيرة أرادت تضييع الوقت وعدم التوصل لاتفاق خلال المباحثات ولم يكن في حسبانها أن موقف الوساطة الأفريقية من الخارطة نهائي الأمر الذي جعلها تكيل الإتهامات إلى الوساطة ووصفها بأنها منحازة إلى جانب الحكومة متناسية في الوقت نفسه تصريحاته السابقة حول حيادية الوساطة. وصرح محمد بحر رئيس حركة شهامة المنشقة عن التمرد أنه تم نقاش قضايا الوطن في الحوار الوطني وتمنى من الحركات المسلحة أن تعلي نداء الوطن على المقاصد والأجندة الشخصية. وحول ما دار في اجتماع المعارضة بباريس أوضح أنه غير متفائل في أن تصل المعارضة إلى شيء جديد. وفيما يتعلق بالصراع في مناطق النزاعات أوضح أنه لا يوجد به منتصر أو مهزوم فالقاتل والمقتول هم أبناء السودان وهو الخاسر الأوحد. وأكد أنهم من دعاة إعلاء شأن الوطن مهما اختلفت الرؤى وأن القوى السياسية المتواجدة الآن بباريس تمثل جزءمن المعارضة ويمثلون تنظيماتهم السياسية بمختلف مسمياتها وما يتوافقوا عليه يعنيهم هم في المقام الأول لكنه رأى أن المقاربات السياسية التي تتم بين مكونات المعارضة والنهج الذي يتبعونه لمعالجة أزمات الوطن لا تقدم حلولاً. أما الحكومة فقد قللت من تجمع المعارضة بباريس وأوضحت أنه لا يعنيها فشيء وطالبت الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن الأفريقي الضغط على الحركات المسلحة لتوقيع خارطة طريق أديس أبابا، وذلك بحسب تصريحات أحمد بلال عثمان الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي أكد أن المعارضة درجت على الدخول في تحالفات من حين لآخر بجانب إطلاق النداءات والبيانات التي تكثرت على حد قوله، فضلاً عن الاجتماعات من باريس إلى برلين وغيرها وأوضح أن نهجهم مع المعارضة هو النقاش حول السلام قائلاً نحن جاهزون للسلام إن كانوا جادين ولكننا نتمسك بخارطة الطريق للدخول في الحوار الجاد. وبحسب مراقبين في الشأن السوداني فإن المعارضة بشقيها المسلح والمدني تواجه تحديات كبيرة وحقيقية داخل منظومتها، فعلى مستوى الحركات المسلحة فإنها تعاني من الانقسامات والتفكك وغياب الرؤية السياسية الأمر الذي أفضى إلى صراعات بداخلها بزعم عدم إتباع المؤسسية وتهميش الآخرين تحقيقاً لمكاسب ومصالح شخصية مرتبطة بالزعامة والرئاسة وكذا الحال مع المعارضة السياسية. وعلى الصعيد الآخر فإن المراقبون يرون أن مخرجات اجتماع باريس لن تكون ذات جدوى ولن تتجاوز الحبر الذي كتب به وذلك لأن قيادات نداء السودان قد ناقشت أمر تطوير الآليات في اجتماع كان قد عقد في نوفمبر من العام الماضي ولم تحسم جدله، ويمثل ما جاء في بيان باريس من أنها إتفقت على مجلس تنسيقي رئاسي من عشرة شخصيات، مداراة على عدم حسم خلافات الهيكلة بتكوين جسم فضفاض منقسم على نفسه .