لم ينطلق الذين أنكروا مساعي السودان المشروعة لإنهاء تفويض (اليوناميد) وحاولوا تعطيلها، لم ينطلقوا من اقتران مصالحهم ببقاء هذه القوات فقط, بل تعدوا ذلك إلى التشويش على الاستقرار الذي تشهده دارفور بوضوح لا مزيد عليه. ويمكن القول مبدئياً إن أيادٍ عديدة حاولت العبث بالمشهد، لتكويِّن الصورة النمطية التي تجعل من الرفض المُبرَّرَ للتمديد، تفويضاً جديداً أكثر تعقيدا واعتماداً على عِدة أدلة، نُخصص مقُولنا هذا للتمدِيد لبعثة (اليوناميد). ها نحن إذن نعود إلى القضية الجوهرية، وفيها كان السودان يتخطى مرحلة مهمة في تاريخ الصراعات المُسلحة، ولما كان الخيار المُتاح هو الحسم العسكري- إزاء تعنت حاملي السلاح ورفضهم للحوار- شهدت الساحة العملياتية معارك حاسمة كان نتيجتها خروج حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم من المشهد تماماً جراء ما لحق بها من هزيمة قاسية في معركة (قوز دنقو) تلى ذلك فقدان حركة عبد الواحد محمد نور للموقع الوحيد والملاذ الآمن والمتمثل في جبل مرة. أما حركة مناوي فلم يكن لها أصلاً وجود بعد أن تقهقرت إلى أراضي جنوب السودان هرباً من المُلاحقة التي صاحبت هزيمتها في مناطق جنوب السكة الحديد والتحق عدد كبير من مُقاتليها بقوات خليفة حفتر في ليبيا مقابل التكسب المادي. وبالجملة، فإن ما لحق بحركات دارفور الرئيسة كان كافياً للإعلان عن خلو دارفور من التمرد، وبالتالي انتفاء السبب الأساسي لوجود قوات (اليوناميد) والمحصُور في منحها التفويض للفصل في النزاع بين الحُكومة والحركات المسلحة التي ذهبت مع الريح. حضور اللامعقول بهذه الدرجة، يعود لمُحاولات الالتفاف على التفويض الممنوح المتأثر باحتمالات تصفية الوجود، وطالما أن دارفور أصبحت آمنة وهذا الحُكم ليس من فيض الوجدان أو الادعاء أو الشطح، إنما بفضل ما أكدته تقارير الأُمم المتحدة فإن الحفاظ على الوجود يتطلب تفويضا جديدا، لذلك فتح مجلس الأمن الباب للذهنية المُتحكمة في طرائق التفكير الفوقي والاستعلائي القائم على المصالح الذاتية التي تُهددها مساعي إنهاء التفويض. فلم تجد هذه الذهنية أنسب من بعض نزاعات قبلية سبباً للتمديد دون النظر لطبيعة المُكون الاجتماعي الذي يشتجر منذ أن خلق الله الخلق على الموارد ويصطرع كذلك نتيجةً لتعقيدات الرعي والزراعة ، لكن الذي يُفكر باستعلاء نصَّب نفسه وصياً وحكماً على هذا النوع من الاشتجار والاصطراع . لم يقف التسلُط الذهني عند هذا الحد حد تعديل ولاية "اليوناميد" من مراقبة القتال بين الحكومة والحركات المسلحة إلى مراقبة النزاعات القبلية بحيث يصبح وجودها مرتبطاً بهذه النزاعات بل تعدى ذلك إلى البحث عن صيغة جديدة للتدخل تتمثل في حماية النازحين الذين قرروا العودة إلى مناطقهم بمحض إرادتهم بعد أن استشعروا أن الأوضاع الأمنية تسمح لهم بذلك. ثم كان من الطبيعي البحث عن طُرق تُكرِّس لبقاء بعثة (اليوناميد) بلا حدود، من خلال حصر أمر وضع استراتيجية الخروج على الأمين العام للأُمم المُتحدة بعد أن كانت في الماضي من مهام فريق العمل المُشترك الذي يضم السودان والاتحاد الإفريقي والأُمم المتحدة . الآن وبعد أن تكشفت طبيعة مشاريع بعثة (اليوناميد) الاستعمارية المسنودة بتحركات بعض الدول الغربية الداعمة للتمديد، نُطلق الصيحة التحذيرية التالية, ما هي قوانين التمدُّد والتكِرار.. تمدُّد اليد القاطعة وتكِرار الانشِطار.؟ الجدير بالذكر أننا نستهدف بمقولنا هذا الحكومة وبعض مُعارضيها الذين التحفوا رفض التمديد وتبطنوه طلباً للنصرة التي تجعل السُلطة أقرب إليهم من حبل الوريد.!