آلاف القتلى جملة الضحايا في دارفور منذ تسلم بعثة اليوناميد مهامها عام 2007 بعد إصدار مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1769 في 31 يونيو 2007م تحت البند السابع والقاضي بإنشاء القوى المشتركة "الإفريقية الدولية" المعروفة باسم "يوناميد" لحماية المدنيين وعمال الإغاثة بدارفور إلا أن الوضع الحالي للبعثة يؤكد فشلها وعدم قدرتها على حماية نفسها ناهيك عن حماية آخرين.. لأن الخسائر طالت هذه القوة بالإضافة إلى الآلاف من المدنيين بدارفور، وبهذا أصبحت البعثة تنشد الحماية لنفسها بدلاً من القيام بواجبها في حماية المدنيين. جاءت البعثة للخرطوم بموجب تفويض من مجلس الأمن والأممالمتحدة لحماية أفرادها ومرافقها ومنشآتها ومعداتها، وكفالة أمن وحرية تنقل أفرادها والعاملين في المجال الإنساني التابعين لها، ودعم تنفيد اتفاق سلام دارفور في وقت مبكر وعلى نحو فعال، ومنع تعطيل تنفيذه ومنع شن الهجمات المسلحة، وحماية المدنيين دون مساس بمسؤولية حكومة السودان. دعوات للمغادرة.. دعت الخرطوم مراراً سحب قوة اليوناميد التي تضم 15 ألف حيث دخلت البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة "اليوناميد" عامها التاسع منذ مجيئها لدارفور بغرض حفظ السلام وحماية المدنيين ومهام كثيرة أخرى حسب تفويضها الممنوح لها، إلا أن رصيدها لم يسجل أي نجاح يحسب لها حتى الآن، فهي مازالت تواجه العثرات والتحديات أمام أداء مهامها التي أتت من أجلها بل وفشلت في لعب دور إيجابي تجاه سلام دارفور. فالقوة عجزت عن حماية نفسها والسيطرة والحد من التفلتات الأمنية في المنطقة والتي طالت حتى أفرادها ومعداتها وأصبحت بعثة اليوناميد في حد ذاتها مهدداً أمنياً وعبئاً ثقيلاً على الحكومة التي دائماً ما تتحمل مسؤولية حمايتها أثناء تحركاتها وتهب لتخليص أفرادها ومنسوبيها من أيدي الحركات المسلحة حال الاعتداء عليها. ونسبة لكثرة إشكالات بعثة اليوناميد التي وصلت لحد التجاوز الواضح للتفويض الممنوح لها، طلبت الحكومة من اليوناميد مغادرة السودان واستناداً على هذا الطلب تم تكوين لجنة ثلاثية من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والحكومة السودانية.. وتجئ اجتماعات المجموعة تماشياً مع نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2173 الصادر بتاريخ 27 أغسطس 2014م، الذي طالب الأمين العام بالتنسيق الوثيق مع الاتحاد الأفريقي والسعي للتعرف على وجهة نظر جميع الأطراف ذات الصلة لإعداد توصيات بشأن ولاية اليوناميد وتكوينها في المستقبل وإستراتيجية خروجها، فضلاً عن علاقتها مع الجهات الفاعلة الأخرى للأمم المتحدة في السودان. تسليم تدريجي ومن المنتظر أن تضع مجموعة العمل المشتركة إستراتيجية خروج للبعثة تفضي إلى تسليم تدريجي ومرحلي سلس لبعض المهام المناطة بالبعثة لحكومة السودان وفريق الأممالمتحدة القطري، فضلاً عن تقديم دراسة تحليلية لتأثير وقف هذه الأنشطة من قبل البعثة على وضعية حماية المدنيين في دارفور، إن الهدف من هذه الإستراتيجية هو إعداد خارطة طريق لخروج اليوناميد بشكل يسير وتجنب حدوث أي فراغ في الأوضاع الإنسانية أو الأمنية كنتيجة لخروجها. وستقوم مجموعة العمل المشتركة بعد الانتهاء من صياغة إستراتيجية الخروج برفعها لكل من حكومة السودان والاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة للمصادقة عليها. ولكن.. وفي هذه الأثناء، تواصل اليوناميد تنفيذ ولايتها وفقاً للفصل السابع بالتركيز على أولوياتها الإستراتيجية الثلاث المتمثلة في حماية المدنيين والوساطة بين الحكومة والحركات المسلحة غير الموقعة وتقديم الدعم للوساطة في النزاعات المحلية. خطوة موفقة.. اعتبر المحلل السياسي دكتور أسامة زين العابدين أن اتجاه الحكومة الرامي بمغادرة اليوناميد خطوة موفقة وجاءت من واقع أن المنظمة الأممية اقتنعت بأنه لا جدوى من وجود البعثة في دارفور لضعفها بالإضافة إلى الإنفاق والصرف على بعثة خارجية بحجم اليوناميد مؤكداً أن القوة المشتركة باتت معضلة أمنية ومصدراً لتسليح الحركات المتمردة بدارفور كما فعلت في العام 2010 حيث قدمت دعماً لوجستياً ومادياً عبارة عن أسلحة وذخائر ومؤن لبعض الحركات المتمردة بجبل مرة والمناطق المتاخمة له. البقاء.. مؤشرات سالبة.. وذهب زين العابدين إلى ضرورة إنهاء مهمة القوة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة نهائياً لاستقرار الأوضاع الأمنية بدارفور خاصة بعد التفاف جميع مكونات مجتمع دارفور حول السلام ووثيقة الدوحة وإنشغالهم بإنزال بنوده لأرض الواقع مؤكداً أن بقاء اليوناميد يعطي مؤشرات سالبة على استمرار الصراع بدارفور، لأن وجودها لن ينفصل عن دعم التمرد وبهذا تكون خصماً على السلام. وحول إمكانية تحويل دور اليوناميد لتكون مساهمة في المشاريع التنموية بدلا عن الحماية والرقابة قال إن هذه القوات مهمتها أمنية ولم تؤسس لأن تقوم بمهمة تنموية وإن الدولة قادرة على حفظ الأمن وحماية المدنيين وأيضا ماضية في دفع عجلة التنمية بدارفور عبر مؤسساتها المختلفة بشتى السبل مبيناً أن اتفاق الدوحة يعتبر ركيزة أساسية لتعزيز الاستقرار الأمني وقيام تنمية حقيقية عادلة ومستدامة. اليوناميد عبء كبير.. من جانبه قال المحلل السياسي البروفيسور الساعوري إن الظروف الدولية فرضت انتشار البعثة المشتركة بدارفور وذلك لدوافع سياسية بعيدة تماماً عن الجوانب الأمنية، مشيراً إلى أنها جاءت لحماية المدنيين بدارفور أثناء الاضطرابات التي شهدتها المنطقة إبان الفترة الماضية إلا إنها أصبحت محمية من القوات المسلحة بدلا من أن تكون حامية ولم تدخل في أي مواجهات من أجل حماية المدنيين الذين جئ بهم من أجلهم ولم تقدم أي شئ ايجابي ملموس على صعيد المهام المكلفة بها. استغلال الأموال للتنمية.. وأضاف الساعوري بأن دواعي وجود اليوناميد قد انتفت الآن نسبة للاستقرار الأمني الذي تتسم به الأجواء بدارفور في ظل توقف العمليات العسكرية عدا بعض التفلتات التي تحسب على صعيد الجرائم العادية. وقال انه يرى أن تدفع الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي تجاه تحويل مسار البعثة لتكون مواكبة لمستجدات الساحة بدارفور واستغلال الأموال الضخمة التي تصرف عليها في دعم مشاريع ذات عائد مادي يلبي طموح وتطلعات مواطني دارفور. وتشير تقارير رسمية إلى أن بعثة اليوناميد وعلى مدار الأعوام التي أمضتها بدارفور قد فقدت الكثير من قبل الحركات المسلحة وأضاف التقرير ان حوادث الاعتداءات والقتل والنهب لا زالت مستمرة على أفراد البعثة وممتلكاتها. وحملت الصحف أمس مقتل تاجر داخل منزله على أيدي مسلحين بنيالا، وتفاصيل الحادثة تقول انه قتل بمدينة نيالا حاضرة جنوب دارفور التاجر محمود سلطان داخل منزله بحي "شم النسيم" من قبل مسلحين.. إلا تعد مثل هذه الحوادث فشلاً لبعثة اليوناميد لعدم استطاعتها حماية المدنيين داخل منازلهم؟.. مورد للحركات المسلحة .. أصبحت اليوناميد مورداً مهماً للحركات للتزود بالأسلحة والآليات والمؤن والوقود عبر الاعتداءات المتكررة التي تقوم بها الحركات على قوات اليوناميد ومعسكراتها، الأمر الذي يشير بوضوح الى ضعف هذه القوات وفشلها في أداء المهمة التي أتت من أجلها وهو امر يحتم سحبها نهائياً من المنطقة والتي باتت تشهد استقرارا مضطرداً منذ إبرام اتفاق الدوحة والذي تقول كل المؤشرات انه سيقود إلى السلام والاستقرار والتنمية الشاملة بإقليم دارفور. وكانت الحكومة قد هددت في وقت سابق وبعد مرور شهر من التوقيع على اتفاق الدوحة بإنهاء مهمة البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بدارفور حال تمسك مجلس الأمن الدولي بغرض قراره الخاص بتمديد تفويض البعثة الأمر الذي رفضه الحكومة جملة وتفصيلا. تجريب البعثة في السودان ويرى بعض المراقبين إن قوات اليوناميد تمثل تجربة جديدة تم استحداثها لأول مرة في العالم بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي لذلك تعرضت هذه التوليفة لكثير من العقبات والمشاكل من حيث المسؤوليات والإيفاء بالالتزامات وخضعت لظروف صعبة على رأسها الافتقار إلى الرؤية الدولية لحل مشكلة دارفور وتقاعس الدول المانحة عن إمدادها بالطائرات التي نص القرار عليها. مما أدى الى فشلها في متابعة ودعم سلام دارفور والحيلولة ومنع هجمات الحركات المسلحة وحماية المدنيين، وافتقارها للكوادر الفنية المؤهلة وهو الأمر الذي أدى لفشلها في أداء مهامها الرئيسة بل وحتى في الدفاع عن نفسها. وحماية القوافل الاغاثية والقرى والمواطنين الذين يتعرضون كل يوم لهجمات الحركات المسلحة ولم تضطلع بمهامها تجاه توفير الحماية اللازمة بمعسكرات النازحين، كما بدأت شبهات الفساد المالي والتمييز السالب تدور حول البعثة، لذا بات من المهم رحيل هذه البعثة وتمكين القوات المسلحة والشرطة القومية من أداء واجبهم في حماية القرى والمدن وأن يتسلم أبناء دارفور الدور الرئيس في معالجة مشاكلهم وتخفيف المعاناة عن أهلهم لأنهم هم الأدرى ببواطن الأمور وليس الغرباء الذين يأتون بدوافع وأطماع تحت ستار تقديم المساعدة والحماية والإسهام في الحلول. نقلاً عن صحيفة الصحافة 5/4/2015م