سواء حسُنت النوايا أم خبُثت، فإن المفروض من عَلٍ على صفوة يسمون أنفسهم( قوى نداء السودان)، يتشكل واقعا بعد أيامٍ قليلة، وتحديداً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا التي سيتقاطر نحوها رهط من جهابذة هذه الصفوة للتوقيع على خارطة الطريق بعد تعنتٍ ورفضٍ شديدين، في ظل استباق الطرف الحكومي لرفضهم ذاك بالتوقيع عليها منفرداً رغم ما جهر به من مآخذ على بعض بنودها.. ويأتي الموقف التدافعي الجديد لقوى النداء بُغية التوقيع بعد اجتماعاتٍ لهم أخيراً في باريس استجابةً لضغوط دولية، حيث أعلنوا أن خُطوة التوقيِّع سوف يليها تقديم بعض المُلاحظات التي يجب أن تُفرد لها المساحة ويوسَّع لها الصدر، بما يُمّكِن من تضمينها في الخارطة. نحن( نغطس) إذن داخل قضية شائكة نصطلح عليها ب (الما بعديات) والما بعديات ليست كُلها خير .. ولا أظن أن المُتابعِ يحتاج لمزيد تفصيل، مما يُسهل علينا الانتقال من الموقف المبدئي لقوى النداء من الخارطة حيث اعتبروها معلُولة وأن بعض بنودها تقول ما لا يُراد لها أن تقول إلى الموقف منها أي من الخارطة بعد الموافقة على التوقيع عليها مما يتطلب التحسب لذلك، خاصة أن المُتوقع أو الأكيد أن ما يلي التوقيع سوف يُخصص لمُحاولات التعديل وإدخال المُلاحظات، إذ أقبلت قوى النداء أو رضخت أو استجابت للضغوط الدولية بشرط النظر إلى ملاحظاتها على الخارطة، وتلقوا تطمينات تضمن تعديلها في لقاء يلي لقاء التوقيع سموه (اللقاء التحضيري)، وهو في حقيقة الأمر (لقاء تخديري) يُستخدم فيه التوقيع على الخارطة كمُخدِر لإجراء عملية تغيير جذرية لملامحها، بما يتواءم مع مُخططات إضعاف الدولة عبر الاتفاقيات، تِكراراً لمنتُوج اتفاقية نيفاشا. من المُتوقع استحداث مُراجعات إجبارية يتم إدخالها على الخارطة، تُنتِج حلولاً تعسُفية، فالحل التعسفي هو اجبار النصوص على أن تقول ما لا تُريد قوله، أو إجبار المُشكلة على الخضوع لنص لا يتلاءم معها.. وينتُج هذا بالطبع من مُكونات لا تتطابق في الرؤية وفي النظرة الكلية للأزمة، وكلنا يعلم أن مُكونات قوى النداء تستمد وجودها من مشارب عِدة وتختلف تبعاً لذلك رؤاها ونظرتها الكُلِّية، فتُنتِج بلا شك حلولاً تعسُفية تؤدي لنشوء مُعادلة خاطئة، تخدم فقط أهداف مُنتجيها الضيقة التي تنادي بها قائمة ونائمة، في حين أن المطلوب التنازل لإنتاج حلول تُخاطب جذور المُشكلة . ينبغي ألا تُلهينا الغِبطة الناتجة عن إقبال قوى نداء السودان للتوقيع على خارطة الطريق عن التنقيب عميقاً في المُشكلة التي تتطلب حلاً توافقياً.. وأن نُنقب أيضاً في أعماق النصوص لكي تتماشى مع الحل، بحيث نتمكن من السيطرة على محاولات (التخدير) وإفراغ الخارطة من مضمونها.. ويجب كذلك ألا ندع المجال لاختلاف الرؤية والنظرة الكلية بما يؤدي لنسف الجهود المبذولة للتوصل لحلول جذرية تُنهي حالة الحرب وتُحقق السلام العادل والمنشود، هذا هو الخط الأحمر الوحيد الذي يجب ألا يُتجاوز مهما كانت الدوافع ومهما صِيغ من مُبرِّرات.