حملت الجولة الأخيرة للمفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال التي انطلقت الأسبوع المنصرم بعض التفاؤل الحذر لجهة توقيع الحركات المتمردة وعلى رأسها قطاع الشمال على خارطة الطريق التي وقعت عليها الحكومة منفردة في مارس الماضي، وجاء التوقيع على الخارطة من قبل قطاع الشمال دون حذف أو إضافة في وقت مضى فيه الحوار الوطني إلى نهاياته بمشاركة الكثير من الحركات المسلحة والأحزاب السياسية المعارضة منها والموالية للحكومة. ثلاثة عشر جولة للمفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال ولم تزل القضايا الخلافية تراوح مكانها متمثلة في وقف العدائيات والمساعدات الإنسانية والترتيبات الأمنية، ففي الوقت الذي تبذل فيه الآليه الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامبو امبيكي مجهوداتها لتتويج مساعيها بتوقيع سلام بين الحكومة وحركات التمرد بصفة عامة وقطاع الشمال بصفة خاصة إلا أن جميع الجولات التفاوضية السابقة يتم تعليقها أو انهيارها بسبب تعنت قيادات قطاع الشمال التي أثبتت للمجتمع الدولي أنها غير راغبة في الوصول إلى سلام شامل في المنطقتين لتحقيق أجندة قيادتها. ويبدو أن قيادات قطاع الشمال قد بدأوا جولة المفاوضات الحالية حاملين معهم مواقف رافضة لجميع مقترحات الحكومة والوساطة الأفريقية حيث أكد الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة المفاوض حسن حامد أن تمسك وفد الحركة الشعبية بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود من جوبا ولوكوشوكو وأصوصا غير واقعي وغير منطقي وغير قابل للتنفيذ، وأوضح أن وفد الحكومة اقترح تكوين لجنة مشتركة من الطرفين لإيصال المساعدات الإنسانية من الداخل، مشيراً إلى أن طرح الحركة يتعارض ومباديء السيادة الوطنية وميثاق الأممالمتحدة. وكانت الحركة الشعبية عرضت خلال المفاوضات السابقة أن يتم توصيل المساعدات الإنسانية عبر الحدود الأثيوبية ورفضت الحكومة ذلك المقترح وجددت ذات المقترح بأن يتم توصيل المساعدات عبر الحدود مع دولة الجنوب أو أثيوبيا الأمر الذي جعل الحكومة ترفضه من منطلق السيادة الوطنية. وكانت الحكومة الأثيوبية قد رفضت حينها توصيل المساعدات عبر حدودها دون موافقة الحكومة السودانية. بالرجوع إلى المفاوضات السابقة نجد أن قطاع الشمال رفض وقف إطلاق النار الشامل والترتيبات الأمنية ورفض الحديث حول وقف العدائيات، خاصة وأنها جاءت بعد زيارة رئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوى ثامبو امبيكي إلى السودان وعقد لقاءات مع القوى السياسية ورئيس الجمهورية ، وما وجده الوسيط من جدية الحكومة في الحوار الوطني في الداخل والخارج جعله يوضح لقيادات الحركات المسلحة أنه لابد من التفاوض حول القضايا الإستراتيجية وليست تفصيلية ولابد من الحديث عن تفاصيل القضايا التي من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق سلام في السودان. من خلال متابعة ملف التفاوض يتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الحركة الشعبية قطاع الشمال ليست لديها زمام المبادرة للتوقيع على اتفاق حول القضايا الخلافية الثلاث، خاصة وأنها فقدت مواقعها الإستراتيجية، كما أن المواطنين في جنوب كردفان والنيل الأزرق أصبحوا يضيقون ذرعاً بممارسات قطاع الشمال، أيضاً برز خلال الجولات السابقة خلاف بين مجموعة النيل الأزرق وجنوب كردفان في الحركة الشعبية كما كانت هنالك بعض المطالب بفصل قضايا النيل الأزرق عن جنوب كردفان مما يوضح بجلاء أن قيادات قطاع الشمال ليست على قلب رجل واحد. وبعد التوقيع على خارطة الطريق لم تزل قيادات قطاع الشمال على ذات الموقف المتعنت مما أدى إلى فشل جولة المفاوضات الحالية، واتهم رئيس وفد الحكومة لمفاوضات المنطقتين، إبراهيم محمود الحركة الشعبية بعرقلة جولة التفاوض، وقال إن الحركة رفضت التوقيع على خارطة الطريق التي اقترحها امبيكي لمدة خمسة أشهر لقتلها، وعندما لم تمت حاولت قتلها بعد التوقيع عليها، معتبراً أن توقيعها على الخارطة الأسبوع الماضي كان لتخفيف الضغط الدولي والإقليمي عليها، مشدداً على حرص الحكومة للوصول لاتفاق لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين. مما لا شك فيه أن الدعوة للمفاوضات الأخيرة كانت بمثابة الفرصة الأخيرة لقطاع الشمال خاصة بعد الضغوط الدولية والإقليمية على قادة قطاع الشمال بضرورة التوقيع على خارطة الطريق والدخول في عملية الحوار الوطني، بجانب الأوضاع السيئة التي تمر بها قوات قطاع الشمال في المنطقتين بعد سيطرة الحكومة على جل المواقع الإستراتيجية للحركة في المنطقتتين فبعد رفض قطاع الشمال التوصل إلى توقيع اتفاق حول القضايا الخلافية بينه والحكومة يبقى الشارع السوداني في حالة ترقب لما تحمله مقبلات الأيام، ويبقى السؤال بين نجاح الحوار الوطني وتحريضات ياسر عرمان هل يسعى قطاع الشمال لوأد خارطة الطريق؟