السوداني تقرير: نبيلة عبد المطلب الاهتمام الأمريكي بالشأن السوداني يزداد يوماً بعد يوم.. وتأخذ قضية دارفور النصيب الأكبر من هذا الاهتمام الذي تجاوز الدائرة الرسمية إلى أطراف أخرى مختصة في تناول مثل هذه القضايا بالتحليل ووضع رؤى استراتيجية وعلمية بعيدة المدى تعين أصحاب القرار في الإدارة الأمريكية على تحديد الكيفية التي يتعاملون بها. السودان قضية الساعة ويدعم هذا الاتجاه دبلوماسي رفيع بوزارة الخارجية السودانية بأنه لمس اهتماماً أمريكياً (غير عادي) خلال إحدى المؤتمرات المتخصصة التي تقيمها جامعة (درم) البريطانية، حيث كان عدد من الأمريكيين المرموقين يدرسون باهتمام بالغ خرائط للسودان.. وحينما وجه لهم السؤال: لماذا تدرسون خرائط السودان تحديداً دون الدول الأخرى.. أجابوه بقولهم: (The Sudan issue of today) أي أن السودان قضية الساعة. مما يشير إلى أن الرؤية الأمريكية لقضية دارفور تتجاوز تأثيراتها على السودان إلى نطاق القارة الأفريقية كلها. وقريباً من ذلك كانت الندوة التي عقدها معهد (بروكنغز) (Brookings institute) بالعاصمة الأمريكية واشنطون مطلع الأسبوع الماضي تحت عنوان (الخطوات القادمة في دارفور)، ونشرت صحيفة (تقرير واشنطون) تفاصيل ما دار في الندوة التي هدفت إلى بحث ما يمكن أن تفعله الأممالمتحدة والولايات المتحدة لإحتواء ما تسميه بالكارثة الإنسانية في إقليم دارفور. افتتحت الندوة السيدة روبيرتا كوهين الخبيرة بالمعهد ومندوبة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون النازحين بحضور جين ماري جوهينو نائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، وأندرو ناتيوس المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للسودان. قرارات عاجلة من أجل دارفور وقدمت السيدة روبيرتا كوهين شرحاً لأهمية مشروع (بروكنغز) في مساعدة النازحين نتيجة لأعمال العنف في دارفور وانعكاساتها الممتدة إلى دول الجوار، وحذَّرت في الوقت نفسه من تأثيرها السلبي على اتفاقية سلام نيفاشا. السيد ماري جوهينو، كان أكثر تشاؤماً وهو يتحدث عن الوضع في دارفور، وللخروج بالقضية من نفقها المظلم أكد ضرورة إتخاذ قرارات عاجلة وحاسمة في مقدمتها وقف إطلاق النار والوقف الفوري للعمليات العسكرية التي تقوم بها الأطراف المختلفة، وعزل المتمردين الرافضين للتوقيع على اتفاق أبوجا الذي تم التوقيع عليه منتصف العام الحالي من قبل طرفين هما الحكومة السودانية وفصيل حركة تحرير السودان، بينما رفضت الفصائل الأخرى التوقيع عليه. ويتفق ماري جوهينو مع رأي الحكومة السودانية التي تنظر إلى دخول القوات الدولية في دارفور بأنه يعقِّد من الأمر كثيراً. ويعتبر جوهينو أن الدفع بأي قوات إلى دارفور لن يحل المشكلة ما لم تتم تهيئة الأوضاع الملائمة على الأرض لإيجاد حل سياسي شامل، ويبدو أنه اعتمد في تحديد موقفه هذا على خلفية تجربته في إدارة عمليات حفظ السلام في المنظمة الدولية، وعدَّد في ذات السياق المشكلات التي تعيق إيجاد حلول عملية في مقدمتها مخاوف الحكومة السودانية وشكوكها في نوايا المجتمع الدولي تجاه قضية دارفور، إلى جانب عدم وجود رؤية محددة داخل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية. وتطرق جوهينو إلى الأسباب الأساسية التي أدت إلى تعطيل العملية السياسية وعدم تفعيل اتفاق أبوجا من بينها تعويضات الضحايا التي اتفق عليها واستيعاب أبناء دارفور في مؤسسات الدولة إلى جانب استقلال الإقليم، ويرى أن المبلغ الذي تم تخصيصه في اتفاق أبوجا والبالغ في مجمله (30) مليون دولار كدفعة أولى للتعويضات، بأنه ضيئل ويمكن زيادته.. ويعود في حديثه إلى نشر قوات دولية في دارفور، ويشير إلى أن نشر قوات فعَّالة وموضع ثقة سيمهد الأجواء لعملية سياسية شاملة على أن يتم ذلك الانتشار بالتعاون التام مع الحكومة السودانية. المهمة تتجاوز دارفور أما مبعوث الرئيس الأمريكي جورج بوش للسودان أندرو ناتيوس وهو آخر مسؤول أمريكي زار السودان وقدَّم تقريراً للإدارة الأمريكية خلص فيه إلى أن الوضع في دارفور متدهور، ورغم أن تعيينه مبعوثاً كان في إطار قضية دارفور إلا أنه قال: (تتجاوز مهمتي إقليم دارفور وتشمل مناطق السودان الملتهبة بما فيها الاضطرابات في شرقه والصراع على المياه في منطقة النوبة بشماله، بجانب الوضع في الجنوب). وأشار ناتيوس إلى أن هناك خطأً في وصف الحرب في دارفور بأنها صراع بين العرب والأفارقة من سكان دارفور، واستدل في حديثه بأن قبائل (الرزيقات) العربية رفضت دخول الصراع. ولتطبيق اتفاق أبوجا ذهب المبعوث إلى ضرورة جمع الأسلحة الثقيلة ونزع أسلحة المليشيات المختلفة، وأكد أن الإدارة الأمريكية مستعدة للقيام بدور حيوي فور الوصول إلى اتفاق سلام تشارك فيه جميع القبائل والأطراف السياسية. واعتبر مسؤول رفيع في الحكومة السودانية حديث ناتيوس بأنه مجرَّد وعود لا يعول عليها كثيراً وسبق أن قطعتها الإدارة الأمريكية عند التوقيع على اتفاقية نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، واعتبر هذه الوعود بأنها عصا وجزرة تستخدمها للضغط على الأطراف المختلفة للتوقيع على الاتفاق، وأن على الحكومة الأمريكية أن تكون جادة في تنفيذ هذه الوعود. الوضع لا يحتمل الانتظار وفي اتجاه غير بعيد يعقد مجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة في الثاني عشر من ديسمبر الجاري دورة استثنائية مخصصة للنزاع في دارفور، واعتبر المسؤولون في المجلس أن الوضع هناك لا يحتمل الانتظار في ظل وجود الآلاف من النازحين وتجدد القتال بين الفصائل. وتعقد الدورة الاستثنائية بطلب من الاتحاد الأوربي بتأييد (33) دولة من أصل (47) دولة هم أعضاء في مجلس حقوق الإنسان والدول المؤيدة تفوق النصاب المطلوب، إذ أنه يتطلب موافقة (16) دولة فقط تمثل ثلث الأعضاء، وربما يتشكَّل وفد عقب انعقاد هذه الدورة لزيارة دارفور للوقوف على الأوضاع وتحديد الاحتياجات.