من جملة المآسى التى تتكشف عن الوجه اللإنسانى للنزاع المدمر الدائر حاليا بدولة جنوب السودان، تبرز مسألة تجنيد الأطفال كجنود للقتال فى صفوف هذا الطراف من اطرا النزاع ذاك. ويرى مراقبون، أن ظاهرة الأطفال الجنود فى جنوب السودان لم تكن وليدة التطورات الحالية التى تمر بها هذه الدولة الأحدث فى العالم، وإنما يعود تاريخها الى حقبة التمرد لاسيما تحت قيادة الحركة الشعبية/ الجيش الشعبى ولكن هذه التجاوزات لم تجد سوى غطاء متعمد من قبل الدوائر الغربية ومجموعات المناصرة التى تبنت الدفاع عن مشروع الحركة الشعبية وتسويقه لدى الراى العام داخل الدول الغربية. الأطفال الجنود مؤخرا، أثارت المنظمات الدولية بشدة مسألة تجنيد الأطفال فى الأعمال الحربية أو "الأطفال الجنود" فى جنوب السودان، لاسيما مع تجدد أحث موجات النزاع المسلح بشكل اعنف بين أطراف النزاع فى منتصف اغسطس الماضى. وطال الإنتقاد الموجه كافة الأطراف المتورطة فى الزّج بالأطفال فى أتون هذه الحرب المستعرة وبخاصة الإدارة الأمريكية، إذ صوّبت بعض وسائل الإعلام فى واشنطون سهام النقد على إدارة أوباما وأتهمتها بخرق القوانين الأمريكية الى تحظر على الدول التى تُتهم بالتورط فى تجنيد الأطفال الحصول على المنح والمساعدات المالية الأمريكية. حملة امريكية فى إنقلاب نادر الحدوث فى المواقف الأمريكية تجاه بلد او نخبة كانت تعتبر حليفا أمريكيا الى وقت قريب، إذ تواجه دولة جنوب السودان فى الوقت الراهن عاصفة من السخط والإنتقادات الحادة من قِبل المؤسسات الأمريكية ومراكز الأبحاث واللوبيات على حد سواء، على الرغم من أن قيادات الحركة الشعبية/ الجيش الشعبى لتحرير السودان كانوا يعتبرون الى العام 2011 -حيث إعلان مولد الدولة الجديدة فى العالم- أصدقاء لواشنطون ساعدتهم على تأسيس دولتهم المستقلة. غير أن إندلاع النزاع المسلح بين قيادات الحركة الشعبية من جهة سلفاكير ورياك مشار فى 13 ديسبمر 2013 عصف بالتحالف "المقدس" بين النخب والطبقات السياسية الجديدة التى تمتعت بحماية واشنطون طوال حقبة التمرد فى جنوب السودان قبل الإنفصال، حيث تمّ غض الطرفعلى إنتهاكات المتمردين لحقوق الإنسان وتقديمهم الى وسائل الإعلام الدولية كمجموعات تقاتل من أجل الحرية وان حقيقة الصراع هناك هو بين الحكومة المركزية ذات التوجهات الإسلامية والعروبية فى الخرطوم والسود المسيحين فى الجنوب. إرث أوباما فى العشر من أكتوبر المنصرم نشر مجلة "بولتيكو" الامريكية تقريرا بعنوان سياسة اوباما الفاشلة فى دولة جنوب السودان جاء فيه "عندما يغادر الرئيس الأمريكة باراك أوباما البيت الأبيض فى يناير المقبل سيناقش الناس حول العالم إرثه لسنوات قادمة باستثناء أطفال جنوب السودان الذين اتضح لهم إرث اوباما وهو خذلانهم". عقوبات إنتقائية كان الكونغرس قد تبنى فى العام 2008 قانون منع تجنيد الأطفال وحظر بموجبه على الإدارات الأمريكية تقديم أى نوع من المساعدات المالية أو العسكرية الى الدول/ الحكومات التى تجنّد الأطفال فى صفوف قواتها أو المجموعات المسلحة الأخرى، كما تصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا سنويا حول حالة تجنيد لأطفال حول العالم. وبموجب هذا القانون تفرض واشنطون، ولكن بطريقة إنتقائية، عقوبات تشمل دول أو حكومات او جماعات توضع فى هذه القائمة الأمريكية لتجنيد الأطفال. خرق القانون بالعودة لتقرير المجلة الامريكية آننف الذكر، تشير مجلة "بوليتيكو" بالإستناد الى تقرير لمركز ستبمسون يقول: "أن الولاياتالمتحدة قدمت مساعدات امنية قدرت بنحو مليار دولار فى الفترة من العام 2010 وحتى الآن لدول مدرجة ضمن الدول التى تجند الأطفال وكانت من بين هذه الدول دولة جنوب السودان حيث أستمرت إدارة أوباما فى تقديم المساعدات اليها رغم تأكيد المنظمات الإنسانية تورطها فى ممارسات تجنيد الأطفال، والتى اشرت الى أزدياد وتيرة تجنيد الأطفال فى صفوف القوات الحكومية منذ العام 2011، أى نذ ما قبل إندلاع الحرب الأهلية الدائرة حاليا، كما تقارير للأممم المتحدة تجنيد ما يزيد عن 2,500 طفل معظمهم فى القوات الحكومية. ووفقا لذات التقرير وعلى الرغم من وجود جنوب السودان فى قائمة الدول التى تجند الأطفال منذ العام 2012، مع ذلك فإن واشنطون منحتها 99 مليون دولار كمساعدات أمنية وعسكرية فى الوقت الذى حرمت جوبا من 1.2 مليون دولار فقط. وبالتالى فإن إدارة أوباما تتعمد خرق القوانين الأميكية متحججة ب" مصالح الأمن القومى الأمريكى" وهو المصطلح الذى يستخدم لدى الأمريكيين لتبرير سيساة المعايير المزدوجة والبراغماتية التى تتحكم فى سلوكهم وتصرفاتهم السياسية تجاه الآخرين. فشل أمريكى الى وقت قريب كانت اللوبيات والدوائر الأملايكية تعتبر دولة جنوب السودان بمثابة إنتصار إذ نجحت الجهود الأمريكية فى فصل الجنوب عن السودان، غير أن هذا "النموذج" سرعان ما غدا كابوسا أمريكيا حقيقيا، إذ تبدى مدى إنحسار نفوذ وتأثير واشنطون وعجزها عن الفعل تجاه أصدقاءها ناهيك عن خصومهما ومنافسيها فى عدد من الملفات. فى هذا السياق، تأتى إثارة مسألة تجنيد الأطفال فى جنوب السودان، ووفقا لليونسيف، فقد تم تجنيد نحو 650 طفلا هذا العام وحده، أى العام 2016. وتتهم واشنطون بالتواطوء وتحمل مسئولية وضع الأسلحة فى أيدى أطفال جنوب السودان ويقول تقرير المجلة المذكور اعلاه "تعتبر دولة جنوب السودان من اكثر الأمثلة مأساوية حيث فشلت إدارة الوايات المتحدة فى حماية الأطفال هناك من الأذى والإستغلال والتجنيد". ضحايا وقتلة وبررت الإدارة الأمريكية الإستمار فى تقديم المساعدات لدولة جنوب السودان بانه من اجل دعم وقف إطلاق النار بن الأطراف المتحاربة هناك! غير أن تجدد الإشتباكات وفشل محاولات تثبيت وقفف إطلاق النار-لعشرات المرات- كشف زيف هذا الإدعاء. ولكن، كشفت الصراع الدائر حاليا والذى أخذ أبعاد عرقية/إثنية خطيرة تنذر بانزلاق جنوب االسودان الى "رواندا أخرى"، زيف مشروع السودان الجديد وهو الشعار الذى فضح زيف محاولات شرعنة ممارسات الحركة الشعبية وجناحها العسكرى فى مرحلتى التمرد ضد الحكومة المركزية فى الخرطوم، وأيضا فى مرحلة فى قيادة الدولة حيث تحول المتمردون سابقا من "ضحايا"-إبان الحرب الأهلية- الى "قتلة" فى مرحلة إدارة الدولة وإنزلاقها فى اتون حب أهلية مدمرة. ومن المفارقات هنا أن تكون واشنطون شريكا فى القتل مرة أخرى!.