مما يتعجب له المُتعجِب في ما يلي ادعاءات مُنظمة العفو الدولية هذا التدافُع الذي صاحب تلك الادعاءات بُغية الإرغام على التسليم بها، إذ أراد المُتدافع أو قُل المدفوع وضع تقرير المُنظمة عن استخدام أسلحة مُحرَّمة دولياً موضِع الشيء الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه .. كما لم يؤسَسَ المنتوج من مخطُوط مؤيِّد لادعاءات المنظمة على التقصي ، إنما أُسس على ما عداه من تسليمٍ أعمى وجاء محمولاً على غير المطلوب في مثل هذه الحالات. مثل هذه التقارير وإن كانت ملفَّقة وتستند على صور مُفبركة ب (الفوتوشوب) تظل حافزاً لكل الأطراف .. فأدعياء النضال والباحثين عن غلبة مُشتهى يجدون فيها السند والدعم طالما أن معركتهم لا تستند إلى قيم أو أخلاق .. أما الذين تستند دفاعاتهم على نظرية المؤامرة وأبلسة الآخر، فينبرون للمُدافعة المُنتظِمة أو من التِلقاء .. لكن اللافت في ادعاءات مُنظمة العفو الدولية بشأن استخدام القوات الحُكومية أسلحة كيميائية بمناطق جبل مرة أنها لم تتقدم اعتدالاً وتوسطاً بل تأخرت تطرُّفاً وتجاوزاً وحملت بقاءها في فناءها، بدليل أن قوات اليوناميد هي من ابتدر تفنيد الإدعاء، إذ أكدت أن ما جاء في تقرير المُنظمة محضُ تلفيق وأنه لم يصلها ما يفيد بذلك وهي في منطقة الحدث بحكم انتشارها الميداني الواسع في كل ولايات دارفور، كما أكدت البعثة عدم تلقيها أية شكاوى من نازحي مناطق (خور رملة، كينيتقا، كتروم، أموكاو، تيري وبلدونق) الذين كانوا يترددون على المراكز الصحية التابعة لها .. هذا ولم ترصُد تقارير الأمم المُتحدة كذلك ووكالاتها التي زارت جبل مرة خلال الفترة المزعومة ما يفيد استخدام الكيميائي أو أية اتهامات من هذا النوع .. أما مُنظمة حظر الأسلحة الكيميائية فقد أكدت هي الأُخرى عبر نشراتها الصادرة في سبتمبر الماضي عدم إمكانية رسم استنتاجات للاستناد إليها لتأكيد إدعاءات منظمة العفو الدولية والتي لا أساس لها من المصداقية. الأكيد أن الشواهد التي استندت إليها مُنظمة العفو الدولية في إدعاءاتها باستخدام أسلحة محرَّمة دولياً في جبل مرة، لم تكن تستحق المُجابهة بالكلام فقط، إنما بالأدلة الدامغة، حيث تناولت صحف الأمس هذه الأدلة بما يكفي مؤكدةً عدم وجود أية مؤشرات لاستخدام أسلحة كيميائية بالمناطق الواردة في التقرير، ليتضح أن ذلك لم يكن غير مجموعة إدعاءات حاولت المنظمة أن تُلبسها ثوب الحقيقة وتزينها بالصور والخرائط الملفقة عبر الأقمار الاصطناعية والصور المُمنتجة والمفبركة للأشخاص والأماكن، ومن خلال هذا التفنيد حق لكل ذي عقل التوصل إلى أحق الحقائق، مما يتطلب الشروع في الخطوة التالية بعد أن تمادت المنظمة في استهدافها للسودان فانتدبت نفسها لذلك منذ عام1983م. آن الأوان لوقف هذا التمادي والتسلط والاستهداف، عبر تحريك إجراءات ضد هذه المنظمة برفع شكوى لأُمم المُتحدة للنيل منها بالطرق القانونية، فتكون بذلك عبرةً لمن يعتبر .. ليس هذا وحده الذي أروم، إنما أنشُد كذلك تجاوز المُنعطفات التي تجُرنا إليها مرارات المع والضد التي تُشكّل الوعي على خلاف ما كان ينبغي أن يُتشكل عليه، قادحةً في القِيم وتجلياتها في سائر شؤون الحياة، بحيث أصبحنا نُسلِّم بكل ما يُقال طالما أنه يُعضد موقفنا من الطرف المُدعى عليه، وفي ذلك فجور غير مُتوقع، إذ الأصل في الإدعاء البيِّنة، لكن أن نتحاكَم أو نحتكِم إلى الإدعاء بُغية الغلبة أو النُصرة، دون تفنيد أو إثبات، ثم نتعامل مع الوافد إلينا كأنه فتح جديد، فهذا ما لا يليق، ولا يضيف إلى تخلفنا إلا تخلفاً من فوقه، كما لا يُعين على تجاوز منعطف المرارات.