بالنسبة للمراقبين من الخارج يبدو كيان "قوى نداء السودان" كأنه مظلة تنضوى تحتها أطياف المُعارضات فى السودان. ولكن الحقيقة أنه أبعد ما يكون عن كيان ديموقراطي فى ذاته كي يسعى لتحقيقها فى البلاد او إقامة نظام بديل كما يزعم هؤلاء، فالواقع لايجمع بين مكونات هذا الكيان والفيسفساء جامعٌ سوى معاداة الحكم القائم والإستقواء بالخارج لمواجهته. أبعادا درامية إن الصراع بين مكونات "نداء السودان" لاسيما بين حزب الأمة القومى الذى يتزعمه الصادق المهدى و قطاع الشمال بقيادة ياسر عرمان، بدا يتكشف شيئا فشيئا. بل ياخذ أبعادا درامية. فى مطلع الأسبوع الماضى، أعلن قطاع الشمال فى بيان رسمى ممهور بتوقيع الناطق باسم ملف السلام مبارك اردول انضمام قيادة من الأمة القومى الى صفوفه ومشروعه المسمى بالسودان الجديد. وهُم الإعلامية لنا مهدي المتحدث باسم سودان المهجر بحزب الأمة القومي، و ناصف بشير القيادي بحزب البعث السوداني وأحد مؤسسيه و الروائي والصحافي أحمد محمد ضحية أحمد. فماهى دواعى هذه الخطوة وما دلالالتها بالنسبة لقطاع وما صلتها بصراعاته الداخلية وتجاه منافسيه؟ وماذا تعنى لمشروعه السياسية والعسكرى؟ وما الرسالة التى تحمل هذه الخطوة الى "الخارج" ؟ مريم وعرمان فى أغسطس الماضى تكشف جوانب من صراع خفى يعتمل داخل كيان نداء السودان والذى يضم قطاع الشمال وحزب الأمة القومى وفصائل التمرد الدارفورية ومكونات أخرى هنا هناك. لاسيما بعد تفكك ما سُميت بالجبهة لثورية على خلفية النزاع بين قيادات قطاع الشمال والفصائل الدارفورية حول قيادة الجبهة فى فبراير الماضى. وأخذ هذا الصراع يكشف عن أبعاده الحقيقية عندما تداولت وسائل التواصل الإجتماعى في اغسطس المنصرم الخلافات جرت بين الأمين العام لقطاع الشمال ياسر عرمان ونائب رئيس حزب الأمة القومى مريم الصادق بعد ان تقدمت الأخيرة بشكوى لرئيس لجنة التحقيق فى هذه الواقعة د.امين مكى مدنى. وكشف ذلك التلاسن عن حجم الصراع الخفى داخل هذا الكيان الهش وهو صراع فى الحقيقة حول الأوزان والهيمنة والتفرد بالقيادة والسيطرة، فضلا عن إدارة العلاقات مع القوى الخارجية. فقدان الثقة إن مأزق حزب الأمة تحت زعامة الصادق المهدى ان حزب متردد وهجين سواءا فى برامجه أو إختياراته او مواقفه السياسية لذلك لم يعد محل ثقة أحد سواء فى الحكومة او المعارضة كما لا يحسب له حساب يذكر إلا من باب "الشئ بالشئ يذكر!" او من باب التكتيك السياسى. وغالبا ما تكون التحالفات معه على هذا لأساس: فهو أقرب الى "المحلل" فى الزواج العرفى مبغوض فى ذاته!..على هذا الأساس يكون حزب الأمة القومى ومواقف زعيمه محل ريبة دوما. إن ما يدفع قطاع الشمال للكشف عن ضم قيادات من هذا الحزب بهذه الصورة إنما يأتى ليعكس مرحلة جديدة من الصراع بين الطرفين، ففى الوقت الذى صعدت فيه قطاع الشمال لهجتها ضد الحكومة برفض الحوار الوطنى والتقليل من شأنه، كان زعيم حزب الأمة فى الإتجاه المعاكس يبدى الرغبة فى "دراسة" مخرجات هذا الحوار وكذلك يبارك إختتام اعماله!. عند هذه النقطة يبدو أن قطاع الشمال قرر العمل على إستقطاب مايمكن من كوادر الحزب وسوف يكون التركيز على الكوادر المتحدرة من الهامش بشكل خاص. تردد وتناقض الى جانب عدم الثقة فى حزب الأمة القومى من قبل حلفاءه سابقا أو حاليا فى الداخل والخارج، حيث ينظر اليه كحزب متردد ومتناقض. وهو كذلك يتهم بأنه حزب "هجين" ومرد هذه الهجنة فيه تأتى من تناقضاته وإفتقاره الثقة فيه من قبل الجميع، كما انه يريد إرضاء الجميع فزعيمه يلبس ثوب الإسلام كزعيم للانصار ولكنه فى نفس الوقت يضع يده مع مع المجموعات العلمانية التى تنهاض الدين، كما يضع يده فى أيدى الأحزاب المعارضة بالداخل وكذلك يتحالف مع الحركات المتمردة التى تحمل السلاح كل ذلك من أجل البقاء فى الساحة بأى ثمن وأى طريقة كانت!!.. فحزب الأمة يواجه مأزق حقيقى فهو يخسر الجميع وفى كل الإتجاهات. عدة عصافير إن إحتفاء قطاع الشمال بضم عضوية حزب الأمة الى صفوفه بهذه الطريقة إنما يشير الى مواقف القطاع لاسيما بعد التصادم والتراشق بين مريم الصادق وياسر عرمان عندما اتهم الأخيرة بانها تتخذ مواقف مناهضة للقطاع داخل قوى الإجماع الوطنى وأنه يرفض تعيينها فى موقع مسئول التنسيق والتواصل مع الآلية الأفريقية رفيعة المستوى. إن إعلان ضم قيادات الأمة يهدف الى إصابة عدة عصافير بحجر واحد بالنسبة لقطاع الشمال: اولا، يعنى أن المكيدة التى أراد القطاع جرّ حزب الأمة اليها قد تحققت وبذلك أنتهت صلاحيته تماما الآن، وهذه المكيدة كانت الحوؤل دون عودة المهدى الى قطار الحوار الوطنى بالداخل مرة أخرى بأى ثمن بهدف تجريدة حوار الداخل من شرعيته. ثانيا، يسعى القطاع لاحياء مشروع "السودان الجديد" وقيادة المعارضة فى الداخل والخارج والتحسب للتطورات السياسية والميدانية فى المرحلة المقبلة بضم أكبر عدد من نشطاء وقادة الأحزاب والرموز و فضلا عن الواجهات والمنظمات. ثالثا، يسعى القطاع كذلك لتسديد ضربات موجعة اخرى ايضا ضد الفصائل الدارفورية بضم المنشقين عنها وقياداتها وذلك لوراثة هذه الفصائل من خلال فكرة الحل الشامل بعد أن فقدت قوتها العسكرية والسياسية. وهناك رسالة موجهة الى المنشقين عن القطاع والمعارضين لقيادته الحالية، فيريد ايصال رسالة الى بعض الأدباء أن القطاع قادر على تعويض أديب بأدباء وشاعر بشعراء وقادة بقيادات….الخ. تجميل القبيح بجانب الصراع مع "حلفاء اليوم" و"أعداء الغد" داخل قوى نداء السودان، فإن خطوة قطاع الشمال من وراء ضم قيادات من حزب الأمة تهدف كذلك أيضا لتجميل صورة مشروع "السودان الجديد" وعلى الرغم من محاولات تصويره فى إطار ديموقراطى يظل أقرب للتوجهات العنصرية والجهوية الضيقة وأبعد ما يكون عن كونه مشروعا وطنيا، وهناك الكارثة التى انتهى اليها هذا المشروع فى نسخته الأصلية فى جنوب السودان فى الوقت الراهن. كذلك، يسعى قطاع الشمال الى التحسب للتداعيات المحتملة لأى خسارة ميدانية ستلحق به لذا يحاول أن إستقطاب الكوادر والنشطاء ليقود المعارضة فى المراحل المقبلة. كما يخشى القطاع ايضا المصير الذى انتهت اليه الفصائل الدارفورية التى إنهزمت ميدانيا وبالنتيجة خسرت سياسيا وكذلك تمزقت وباتت ضعيفة ولا وزن لها سواء كفصائل منفردة أو كمجموعات. كما يتحسب قطاع الشمال لإعلان إنهيار او نهاية العملية التفاوضية حول المنطقتين والتى ترعاها الوساطة الافريقية برئاسة أمبيكى، بعد ان وصلت الى طريق مسدود بسبب التعنت والمماطلة. ويبدو ان القطاع أكثر حرصا وخشية من تداعيات هذا السيناريو الأخير..إذ يعنى له الكثير.