على طريقة رائعة الكاتب الأمريكي آرنست هيمنغواي لمن تدق الأجراس (To Whom Do The Bells Toll) فانه ينبغى علينا وحكومتنا ووفدنا التفاوضي يعلنون بمناسبة وبدون مناسبة وبحماس لم يطلب منهم أنهم مستعدون للتفاوض حول المنطقتين, ينبغى علينا أن (نهدئ اللعب) قليلاً وأن نتروى, بل نتوقف كثيراً وليس قليلاً لنطرح على أنفسنا هذا السؤال: مع من يجب أن نتفاوض؟ والسؤال أولاً ضروري ومشروع من عدة نواح. هنالك قدر كبير من الشك والضبابية حول (الصفة التمثيلية) للوفد الذي كنا نتفاوض معه والمتمثل فيما يسمى قيادة الحركة الشعبية (قطاع الشمال) وذلك في ضوء التطورات التي ضربت هذا القطاع مؤخراً والمتمثلة في سحب أبناء النوبة وأبناء جنوب النيل الأزرق في الحركة الشعبية, سحب ثقتهم من تلك القيادة خاصة المتمثلة في (الثنائي) عقار وعرمان. طبعاً يجب (التركيز) هنا على حقيقتين هامتين الأولى هي أننا نعتبر أن الحلو هو مثل صاحبيه تاجر حرب ليس إلا وأن المسرحية التي قام بها مؤخراً حول استقالته, ما هي إلا لعبة مكشوفة وساذجة ولا تعنينا في شيء ولن نبني عليها أي موقف ونعتبرها عملية (توزيع أدوار) يحركها الحزب الشيوعي لأسباب تتعلق به, مع إيماننا التام أن أبناء النوبة في نهاية المطاف سيقتنعون مثلنا تماماً بهذا الرأي عن (حلوهم) والذين هم الآن يقولون إنه ليس حتى من بني جلدتهم, فهو مثل عقار وعرمان فرضته عليهم الحركة الشعبية و(الزمن الرديء)!. الحقيقة الثانية هي أن المعني هنا هم (فقط) أبناء النوبة وأبناء جنوب النيل الأزرق في الحركة الشعبية , مع قناعتنا التامة أن هؤلاء لا يمثلون بالنسبة لنا إلا أقلية من أبناء المنطقتين الذين يؤمنون فى غالبيتهم الساحقة بوحدة تراب بلدهم, سواء أكانوا أولئك الذين لم ينضموا أصلاً للتمرد أو أولئك الذين استجابوا لنداء السلام في أوقات مختلفة قريبة وبعيدة. وهذه على أية حال قضية تاريخية يمكن معالجتها بعد أن نتخلص من هذا الجسم الخبيث المسمى قطاع الشمال ومن قيادته المتمثلة في (ثلاثي) عقار, عرمان الحلو. والذي يجعل تلك القيادة غير جديرة بالثقة هو ما كنا نقوله عنها منذ البداية من أنهم مجموعة من تجار الحرب لا يهمهم ولا يعنيهم أمر السلام في شيء, بل إن السلام يلعب في غير مصلحتهم فهم يعلمون أنهم مع السلام سيعودون الى (حجمهم الطبيعي) الذي كانوا عليه قبل أن يتسلقوا في غفلة من التاريخ وغفلة من أبناء المنطقتين الذين سلموهم رقابهم فكانوا أول من قطع تلك الرقاب, حيث أشعلوا نيران الحرب التي أهلكت الحرث والنسل ورفضوا الاستجابة لكل نداءات السلام, بل رفضوا حتى الموافقة على أية خطة لإيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين المنكوبين الذين يعيشون في مناطق سيطرتهم. والعجيب أننا طيلة الفترة الماضية كنا نحاول إقناع أبناء المنطقتين بهذه الحقائق, فكيف أنهم بعد أن (اقتنعوا) بها, نصر على التفاوض مع من كانوا السبب في شقائهم وبؤسهم و(خراب ديارهم)؟! إننا إذا قبلنا التفاوض مع عرمان وعقار فإننا بذلك نفقد ثقة من بقي من أبناء المنطقتين وسندفعهم الى الارتماء في أحضان التمرد. يجب اتخاذ موقف واضح بأنه لا لعرمان ولا لعقار على طاولة المفاوضات. يجب أن نتفاوض مع أبناء المنطقتين وتحت بند واحد وهو إيقاف الحرب. يجب ألا نضع بعد اليوم بالاً لما يسمى قطاع الشمال ولا للموقف الأفريقي, فالقضية حصرت الآن في نطاق ضيق وسهل وهو أمر لا يحتاج حتى لوساطة من أي نوع.