يبدو أن المجتمع الدولي قد فاق أخيراً من غفوته وغادر محطة التقاضي عن إنتهاكات قطاع الشمال وإعتداءاته المتكررة على مواطني ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق. فخلال الأيام القليلة الماضية دعت منظمة "كفاية" الأميركية بفتح تحقيق مستقل وتوقيف المتورطين في أعمال العنف المميتة جراء النزاع بين قيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال، بمخيمات اللاجئين ومناطق تواجدها بالنيل الأزرق. وطلب تقرير للمنظمة، بضرورة السماح بإجراء تحقيقات مستقلة عن أوضاع حقوق الإنسان في ظل أعمال العنف المندلعة والسماح بوصول المنظمات إلى مناطق الحركة بدون أي قيود لتقييم الاحتياجات وتحديد آليات توصيل المساعدات. تصفيات المابان وشهدت مناطق الحركة بالنيل الأزرق ومخيمات اللاجئين بجنوب السودان، مواجهات ذات طابع إثني لقبائل الإنقسنا والأدوك والبرون، وأدت الاشتباكات إلى مقتل العشرات ونزوح أعداد كبير من مواطني المنطقة. فقد قامت مجموعة تتبع لرئيس الحركة الشعبية المقال مالك عقار بتنفيذ حملة تصفيات طالت العشرات من لاجئي النيل الأزرق بمنطقة المابان بجنوب السودان. وقال فارون من المابان ، أن الإشتباكات وقعت بمعسكرات يوسف باتل، كايا وجندراس التي تضم لاجئي النيل الأزرق متهمين مجموعة رئيس الحركة المقال مالك عقار بالوقوف وراء المجزرة التي طالت المعارضين له من الإثنيات الأخرى. وقالوا أن جثث الذين قتلوا من اللاجئين تم دفنها في مقابر جماعية، موضحين أن مجموعة عقار تنفذ أسلوب التصفيات ميدانياً بغرض ترهيب المناوئين لها. وأشارت تقارير صدرت في مايو الماضي إلى مقتل وإصابة المئات في مواجهات قبلية دامية بين مؤيدي الحركة الشعبية من أبناء الإثنيات بمعسكرات المابان. ووصف حينها القيادي المنشق عن عقار، عبدالله إبراهيم عباس المواجهات بأنها إبادة جماعية استخدمت فيها المدافع الصاروخية في الهجوم على معسكر دورو. كفاية في الخط والناظر لمايدور داخل أروقة الحركة الشعبية قطاع الشمال يجد أن الإنشقاقات والإنتهاكات تجاوزت الخطوط الحمراء، مما حدا بمنظمة كفاية الأمريكية للتدخل وإصدار تقرير أوصت فيه قيادة الحركة ببدء تحقيق فوري في الأحداث المبلغ عنها بشأن هجمات على مدنيين في مناطق خاضعة لسيطرة الحركة لتحديد الأشخاص المسؤولين عن هذه الهجمات فضلًا عن ضبط الجناة. وناشدت المنظمة قيادات الحركة لتوجيه جميع القوات الخاضعة لها بالوقف الفوري للعنف في كافة المناطق بما في ذلك جبال النوبة وولاية النيل الأزرق ومخيمات اللاجئين بجنوب السودان. وقالت إن على الحركة السماح بإجراء تحقيق مستقل من قبل منظمات حقوق الإنسان في الظروف التي تولدت عنها المعارك التي دارت رحاها بين وحدات جيش الحركة في النيل الأزرق وأدت إلى صدامات قبلية عنيفة بين اللاجئين في مخيمي دورو وجندراسا في أواخر مايو. وشدد على أن يخضع كل من كشف التحقيق تورطه في هذا العنف". لمحاسبة رادعة، وأشار تقرير المنظمة إلى أن الأحداث بدأت في صورة أزمة سياسية داخلية بين القادة لكنها تهدد الآن بتقويض مفاوضات السلام مع الحكومة السودانية كما أنها تعرقل المساعدات الإنسانية. وتابع "وقع اللاجئون الفارين من النزاع في النيل الأزرق إلى جنوب السودان في مرمى الاشتباكات القبلية والمواجهات التي تجري بين وحدات منقسمة علي نفسها في جيش الحركة". مطالبات بالتحقيق وطالبت قيادات بارزة من وفد أبناء منطقة جبال النوبة بدول المهجر الآلية الأفريقية رفيعة المستوى والاتحاد الأفريقي بتسريع جولة التفاوض المقبلة في وقت حملت فيه الحركة الشعبية قطاع الشمال مسؤولية الانتهاكات الأخيرة التي حدثت بمعسكرات اللجوء بجنوب السودان. وقال آدم جمال أحمد القيادي بمنطقة جبال النوبة إن الإنشقاقات الأخيرة التي ضربت قطاع الشمال أضعفت مواقفه، وأبان أن المتمردين قاموا بارتكاب جرائم في حق المواطنين الأبرياء بمعسكرات المابان وبانتيو بدولة جنوب السودان، وطالب مجلس حقوق الإنسان والمجتمع الدولي بالتحقيق حول الإنتهاكات التي إرتكبتها الحركة الشعبية قطاع الشمال تجاه المواطنين المتواجدين بهذه المعسكرات، وأشار إلى ضرورة التحلي بالجدية والعزم والمضي قدماً في تحريك الجمود في ملفات السلام. واعتبر جمال أن تجريد عرمان من صلاحياته وعزل عقار من منصبه خطوات تصب في إتجاه تحقيق السلام. ويرى مراقبون أن خلافات قيادات قطاع الشمال تزيد من معاناة أهل المنطقتين وستعطل عملية التفاوض، ووأكدوا أن هذه الخلافات أصبحت تمثل أكبر معيق لتحقيق السلام بالمنطقتين، بإعتبار إن "الخلاف أخذ منحى عرقياً" .