ولعل حالة المتمرد بحر ادريس أبو قردة رئيس الجبهة المتحدة للمقاومة تجسد ما ذهبنا إليه، فقد كان ظهوره أمام المحكمة الجنائية الدولية مفاجئاً للمراقبين كمتهم في الهجوم علي قوات الاتحاد الافريقي بمنطقة حسكنيته، وهي خطوة حاولت بها المحكمة كسر حالة الفشل التي لازمتها منذ توجيه اتهاماتها للقيادة السودانية. والآن يحاول المتمرد أبو قردة الاستفادة من الظهور الاعلامي له امام الجنائية وتوظيفه لتسويق نفسه بديلاً لقادة الحركات المسلحة خاصة عبد الواحد محمد نور الذي بقي في حالة الجمود وعدم التعاطي مع التطورات في ملف دارفور، وذلك من خلال محاولة التأثير علي بعض دول الجوار لدعمه والوقوف معه لتحديد خارطة مغايرة تجاه قضية دارفور تستند علي التقليل من شأن الآخرين واستعراض ما يمكن ان تقوم به حركته. تري الجبهة خلال طرحها الذي تحاول به التسويق لنفسها ورئيسها أبو قردة أن تجربة المبعوث الأمريكي في محاولة توحيد الحركات المسلحة تواجه مخاطر حقيقية رغم أنها بدأت بدقة وعناية من خلال الاتصالات واختيار الحركات المؤثرة، وهي الحركات الأربع التي دعيت لمؤتمر أديس أبابا والتي تشمل إلي جانب حركة ابو قردة، حركة تحرير السودان قيادة الوحدة، التحرير بقيادة عبد الشافع، التحرير بقيادة عبد الواحد (دون رغبة عبد الواحد)، حيث انه لم يتم مناقشة أسباب الانشقاقات وعدم التوحد بصراحة في أديس، وقيام ليبيا بالتدخل ومحاولة فرض مؤتمر الكفرة، الي جانب قطر التي ربطت وحدة الحركات بالمفاوضات المباشرة في الدوحة. ولم تنس الحركة ان تعطي المبعوث الامريكي اسكوت غرايشن نصيبه من الانتقادات وجعله جزء من هذه المخاطر باعتباره لم يتمكن من توفير الاحتياجات المطلوبة لتحقيق الوحدة. ولاثبات عجز المجموعات الاخري لحركة تحرير السودان تري حركة ابو قردة أن محاولات مجموعات التحرير وخاصة عبد الواحد لم تتمكن من حسم عقد مؤتمر التوحيد من أساسه حتى الآن، وربما يظهر توتر وقتال داخلي بين المجموعات في الفترة القادمة، لذلك فان احتمالات نجاح المبادرة الأمريكية قليلة جداً. أما تجربة توحيد الحركات التي تمت في عاصمة الدولة التي دفعت لها الجبهة برؤيتها كانت في تقدير الجبهة تجربة استكشافية رتبت بعناية وطرحت الأفكار بدقة وانه تم تكليف الجميع بدراسة الأمر وتقديم رؤاهم مكتوبة وقد تم ذلك في حينه، إلا أن جبهة ابو قردة تدعو للتروى لإتاحة الفرصة للتجارب الجارية وخاصة المساعي الأمريكية وتعتقد أن هناك تنسيق في هذا الاتجاه من خلال دعم وتسهيل خطوات التوحيد الذي عقد تمهيداً لمؤتمر الميدان. وترتكز رؤية الجبهة المتحدة للمقاومة علي ضرورة توافق الإرادة الإقليمية والدولية نحو الوحدة مع إعطاء إمكانات مناسبة لحركة مقبولة وسط الحركات مثل (الجبهة المتحدة للمقاومة) حتي يتم طرح الأسباب الحقيقية للانشقاقات بوضوح والاتفاق على مخرج بقناعات مشتركة، وهذا يتطلب موارد تطمع حركة ابو قردة من توفيرها لها حتي تتمكن من التنقل والالتقاء بالكوادر المؤثرة في الفصائل الاخري من أجل تحقيق الاستراتيجية الجديدة خاصة في ظل عدم وجود أبسط الإمكانيات لتحريك قيادات الجبهة في الخارج إلى الميدان. ودون أي مواربة دعت الجبهة للعمل علي اندلاع حرب جديدة بين تشاد والسودان أو بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية، أو تقديم تشاد أو الحركة الشعبية رؤية جديدة وعادلة لدعم الحركات عسكرياً وتوحيدها سياسياً!!. اكدت الحركة أنها تجتهد في التعامل مع المبادرة الأمريكية - رغم عدم تعويلها عليها- لإنجاز المؤتمر التمهيدي بين الجبهة والحركتين اللتين ضماهما الملتقي الذي عقد في عاصمة الدولة المجاورة ومن بعد ذلك الدخول في الوحدة الكلية، لذا تمكنت حركة تحرير السودان من تجاوز إشكالاتها بالرغم من ضعف حماس الجنرال غرايشن بسبب ما يحدث في جبل مرة من اقتتال. وعلي ذلك فانه في حال تأخر برنامج المبعوث الأمريكي ستفوم الجبهة بالانتقال إلى الميدان وترتيب الأوضاع من الداخل. طرقت الحركة علي مخاوف الدولة المجاورة بالتأكيد علي أن الأوضاع في السودان تسير نحو المجهول وأنه لن تجرى أي انتخابات مهما كان حجم الزخم الموجود في الساحة السياسية كما أن العلاقات بين الحكومة والحركة الشعبية ستسوء أكثر في المرحلة القادمة، وإذا سارت الأمور على هذا النحو حتى عام 2011م فإن الجنوب سيعلن انفصاله عن الشمال بالاتفاق مع الحكومة السودانية أو بغيره، لكل لذلك ترى حركة ابو قردة أن على الدولة المجاورة التحرك نحو قضية دارفور بفاعلية أكثر وبناء قوة تحافظ على مصالحها المستقبلية وهي الجبهة المتحدة للمقاومة التي تعتبر نفسها أقرب القوى لأسباب كثيرة يتم مناقشتها بالتفصيل مع المعنيين في الدولة المجاورة وحتي لا تفوت الفرصة فإن الجبهة دعت صراحة لدعم جهودها لتتمكن من توحيد أكبر قوى ممكنة ولو عن طريق طرف ثالث بإشراف هذه الدولة. اكدت الجبهة انها لا تركز كثيراً علي جانب المفاوضات، حيث أن نتائج التفاوض تصب في صالح الحكومة السودانية، كما أن المعضلة الثانية عدم توحد الحركات المسلحة حتي تستطيع سحب البساط ممن الحكومة. وتري أن الجولات الرسمية التي عقدت لحل قضية دارفور ابتداءً من مفاوضات أديس أبابا فاشلة وكذلك مفاوضات أنجمينا في إبريل 2004م التي ضمت حركتي التمرد آنذاك والتي انتقلت إلى أبوجا لسبب عدم إدراك الجانب التشادي لإبعاد هذه القضية. أما الجولات السبعة التي تمت في أبوجا حيث تمت مناقشة جذور المشكلة بصورة واضحة بوجود المجتمع الدولي والإقليمي إضافة إلى تأييد العدد الأكبر من المجتمع الداخلي لأهل دارفور، ولكن وضح أنه ليس هناك أي إرادة لحل المشكلة آنذاك خاصة من المجتمع الدولي الذي لم يضغط على الحكومة السودانية. أما المحاولات الجارية الآن لعقد مفاوضات في الدوحة لا تعتقد جبهة أبو قردة أنها سوف تنجح لعدم معرفة دولة قطر بدارفور وعدم استطاعتها ممارسة أي ضغط على الأطراف خاصة الحكومة. ولإجراء مفاوضات جادة تري ضرورة استعداد المجتمع المدني لدعم مطالب الحركات خاصة الجبهة المتحدة باعتبار أن الوساطة الدولية الحالية ليس لديها إدراك واضح لإبعاد القضية بحيث أصبحت تحرك بعض الأطراف بدلاً أن تحركها كلها في اتجاه واحد، وعلي ذلك فإن تحديد أي موعد للمفاوضات قبل إيجاد أي نوع من الوحدة بين الحركات وقبل توفيق القطاعين الأساسيين إقليمياً ودولياً غير مجد. وتعتبر الجبهة أن الدوحة منطقة بعيدة وليست لديها معرفة دقيقة بأبعاد القضية لذلك يفضل إجراء المفاوضات في مكان تتوفر فيه مثل هذه المواصفات، خاصة العارفة بالقضية وقدرة المعنيين بإدارة الملف والمفاوضات بالصورة التي ذكرت سابقاً، وتعتقد أن المكان المناسب هو عاصمة الدولة المجاورة التي يجب عليها توحيد وتناغم كافة المبادرات الجارية إقليمياً ودولياً في مبادرة واحدة قبل بدء التفاوض.اما ماذا تتناول المفاوضات فان هذا ليس إشكالاً كبيراً كما تري الجبهة حيث أن هناك خيارات بتبني إعلان المبادئ الذي تم الاتفاق عليه من الجميع في أبوجا أو الوصول لاتفاق إطاري تضمن فيه اتفاقية أبوجا رغم عدم علاجها للمشكلة وذلك لعدم خلق إشكالات جديدة في الإقليم. وكغيرها من الحركات المتمردة التي تحاول تسويق نفسها بشعارات ثورية تضمن لها ايجاد آذان صاغية تعتبر حركة ابو قردة أن المدخل السليم لحل قضية دارفور يتمثل في ضرورة الاعتراف بأحقية إقليم دارفور بكافة الصلاحيات الإدارية والمالية والسياسية لمعالجة كافة المظالم، ودفع تعويضات كاملة جماعية وفردية للنازحين واللاجئين، ودمج قوات الحركات في الجيش الوطني بمعايير تسمح بتولي أبناء الهامش كافة المناصب والترقي إلى كافة الرتب لإيجاد التوازن المفقود من الاستقلال (الضباط من الشمال والجنود من الهامش)!! وتدعو الجبهة إلي تعميم التجربة على كافة أقاليم السودان إذا حدث اتفاق على القضايا التي طرحتها والتحرك الجاد لإنجاز كل ذلك باعتبار أن مجموعة خليل سوف تنتهي قريباً من خلال قراءة أوضاعها الداخلية العسكرية والسياسية وضعف المؤتمر الشعبي الداعم لها.