في الوقت الذي تتطلع فيه الخرطوموواشنطن لبدء المرحلة الثانية من المباحثات الثنائية المتعلقة بالحوار حول إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، كتب مدير منظمة كفاية جون برندرغاست مقالاً بعنوان "لا تزيلوا السودان من قائمة الإرهاب" مدعياً خلاله ان هذا هو الوقت الخطأ لتسريع عملية التطبيع بين الولاياتالمتحدة والسودان. المتابعون لكتابات برندرغاست كانوا يتوقعون قيامه بكتابة مثل هذا المقال في مثل هذا التوقيت، وربما قد تنبأوا بعنوانه من واقع معرفتهم بخلفية الرجل ومواقفه المعادية دوماً للسودان، فهو دائماً ما يحاول قطع الطريق على أي حوار بناء بين بلاده والسودان وكذلك التأثير على الرأي العام الأمريكي وقناعات صناع القرار حتى لا يحدث أي تقارب مع السودان، وإن كانت هذه القدرة على التأثير باتت محدودة أو بالأحرى منعدمة وهو ما يتضح بالرجوع إلى المقالات التي سطرها العام الماضي قبل قرار واشنطن برفع العقوبات عن السودان. ففي يوليو الماضي وقبل أربع أيام فقط من الموعد المحدد لصدور قرار الولاياتالمتحدة حول العقوبات المفروضة على السودان -والتي تم تاجيل البت فيها لثلاثة أشهر- كتب برندرغاست مقالاً مشتركاً مع جورج كلوني "رفيقه في عداء السودان" وقد حرضا من خلال المقال بصورة واضحة على الحكومة قائلين أن العقوبات فرضت أصلاً بسبب "دعمها للإرهاب، وارتكابها لفظائع وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان"، إضافة لجملة من الإتهامات التي أصبحت عبارات محفوظة يتناولها برندرغاست وكلوني في مقالاتهما بصورة متكررة. وفي اكتوبر وقبل ايام من صدور قرار إدارة ترامب بشأن العقوبات دعت منظمة كفاية بشكل صريح الإدارة الامريكية الى عدم رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ نحو عشرين عاما. وكتب برندرغاست مقالاً مشتركاً قال فيه إن العقوبات على السودان يجب بقائها، وحاول حشد جملة من المبررات الفطيرة في مقاله لدعم وجهة نظره منها أن الحكومة " ستزيد من جرائمها في حال رفع العقوبات"، كما أن الولاياتالمتحدةالامريكية ستفقد اهم نقاط تأثيرها الايجابي على السودان. ورغم تحريضات منظمة كفاية جاء القرار الأمريكي برفع العقوبات عن السودان بعد إعترافها بإلتزام السودان بخطة "المسارات الخمسة" التي شملت التعاون مع واشنطن في مكافحة الإرهاب، والعمل على تحقيق السلام بجنوب السودان، والشأن الإنساني وإيصال المساعدات للمتضررين في مناطق النزاعات. وبعد فشل محاولات كفاية عرقلة رفع العقوبات عن السودان، تعود الآن عبر مديرها لممارسة عادتها في التحريض على عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فقد اشار برندرغاست في بداية مقاله الأخير إلى أن الولاياتالمتحدة تدرس الخطوات المقبلة على طريق التطبيع الكامل للعلاقات مع السودان، مدفوعة بالاعتقاد ان مثل هذا التطور من شأنه أن يعزز التعاون الاستخباراتي مع السودان، إلا أنه قال أن التحرك في هذا الوقت نحو التطبيع يتجاهل التطورات الحرجة والظروف الجديدة التي تؤثر على مصالح الأمن القومي الأمريكي الأساسية على حد زعمه. وراح غاست في مقاله يلعب دور العارف بالأوضاع في السودان فهو تارة يتحدث عن الأزمة الإقتصادية المتصاعدة ووجود الفساد ويربطهما بالتظاهرات والتضييق على المعارضة، ورغم حديثه حول هذه القضايا باستفاضة إلا أنها لايبدو " تؤثر على الأمن القومي لبلاده" ليذكرها في سياق مقاله. وحاول في سبيل وقف رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب أن يدمغ السودان بأن لديه علاقات مع المنظمات المتطرفة ورجال الدين الذين يدعون إلى الجهاد أو يدافعون عن داعش أو تنظيم القاعدة. وكأن منظمة كفاية تعرف أكثر من وكالة المخابرات الأمريكية أو لم تطلع على التقرير الذي عرضه مدير الاستخبارات الأمريكية الوطنية، دانيال كوتس، أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ منتصف العام الماضي والذي نأى عن إيراد اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأكد وفاءه بجملة شروط ستمهِّد لرفع العقوبات المفروضة عليه نهائياً. وكعادة تقارير كفاية في العزف على وتر الأوضاع في دارفور والمنطقتين تحدث غاست عن أن الملايين من المواطنين السودانيين ما زالوا يحرمون من الحصول على المساعدات الإنسانية، على الرغم من أنها أحد شروط رفع العقوبات. ورغم اعترافه أن الحكومة السودانية حسنت بعض عناصر الوصول إلى المساعدات، غير أنه قال إن عمليات إيصال المساعدات لم تتوسع، كما أن معدلات سوء التغذية آخذة في الارتفاع. ويناقض ذلك ما ذكره تقرير دانيال كوتس أمام مجلس الشيوخ، إن الحكومة في السودان التزمت بوقف العدائيات في مناطق النزاع. ولم يشر إلى أي منع من قبل الحكومة لتوزيع المساعدات الإنسانية. وغض تقرير غاست الطرف عن عرقلة الحركات المتمردة لعمليات توصيل المساعدات ورفضها للمقترح الأمريكي المقدم في هذا الصدد والذي قبلت به الحكومة. ولم تكن لديه الشجاعة الكافية لانتقاد هذه الحركات كما فعل المبعوث الأمريكي السابق دونالد بوث الذي حث المجتمع الدولي على توخي الحذر في التعامل مع الجماعات السودانية المتمردة التي قال إنها تضع مطامحها السياسية فوق مصلحة الشعب مؤكداً أنه تحدث مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بشأن المقترح الأمريكي لتوزيع الغذاء والدواء على المناطق لتي تسيطر عليها لكنها رفضت العرض. ولم يشر غاست من قريب أو بعيد إلى تحول المتمردين إلى مرتزقة يقاتلون في دول الجوار وهو ما يهدد الأمن في دارفور والمنطقة بأسرها، وكذلك رفضهم لجميع المبادرات المطروحة للحل السياسي في السودان وعلى رأسها الحوار الوطني الذي طرحته الحكومة والذي وجد تأييداً واسعاً وكذلك وخارطة الطريق الإفريقية والمنابر التفاوضية المختلفة. الإدارة الامريكية على ما يبدو ليست في حاجة إلى نصائح منظمة كفاية بشأن العلاقة مع السودان بعد أن قطع التطبيع المدروس بين الجانبين أشواطاً كبيرة، وربما كانت في حاجة إلى النصح بشأن الأوضاع المضطربة في جنوب السودان الذي لعب برندر قاست ومنظمته دورا رئيسيا في حشد التأييد الاميركي لإنفصاله في 2011 ووقوعه في مستنقع الحرب والإقتتال.