أجمعَ أهل الحقق على أن الاسراء كان بالروح والجَسَد وفي اليقظة ومن أنكره فقد كذبَ القرءان. احتفلت الأمة الاسلامية في مشارق الأرض ومغاربها يوم أمس بذكرى 27 رجب المباركة الموافق 10 أغسطس 2007. وقد احتفل أهل السودان بهذه المناسبة استشعارا منهم بجلالها مما يؤكد حبهم للرسول الكريم (صلعم). وقد كانت تلكَ المعجزةُ العظيمةُ في السنةِ الخامِسَةِ قبلَ الهجرةِ فقد جاءَهُ جبريلُ ليلاً إلى مكَّةَ وهو نائمٌ ففتَحَ سَقْفَ بيتِهِ ولم يهبِطْ عليهِم لا ترابٌ ولا حجرٌ ولا شىءٌ وكان النبيُّ حينَها في بيتِ بنتِ عمّه أمّ هانىءٍ بنتِ أبي طالبٍ أختِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ في حيّ اسمه أجياد، كان هو وعَمّه حمزةُ وجعفرُ بنُ أبي طالب نائمين والرسولُ كانَ نائماً بينهما فأيقظَهُ جبريلُ ثم أركبَهُ على البُراقِ خلفَهُ وانطلقَ بهِ والبُراقٌ دابةٌ من دوابِّ الجنّةِ وهو أبيضٌ طويلٌ يضَعُ حافِرَهُ حيثُ يَصِلُ نظرُهُ ولما يأتي على ارتفاعٍ تطولُ رجلاهُ ولما يأتي على انخفاضٍ تقصُرُ رجلاه، وانطلقَ بهِ البُراقُ حتى وصلا عندَ الكعبةِ حيثُ شُقَّ صدرُه من غيرِ أن يُحِسَّ بألم ثم أُعيد كما كان وذلك بعد أن غُسِلَ قَلبه وملىء ايماناً وحكمة وكل هذا إعداداً للأمر العظيم الذي يسقبله ثم انطلقا حتى وصلا إلى أرضِ المدينةِ فقالَ له جبريلُ " انزِل " فنزل فقالَ له "صلِّ ركعتينِ" فَصَلّى ركعتين، ثم انطلَقَ فوصَلَ بهِ الى بَلَدٍ اسمُها مَدْيَن وهي بلدُ نبيِ اللهِ شُعَيب فقال له انزِل فَصَلِّ ركعتينِ ففعَلَ ثم مثل ذلِكَ فَعَلَ في بيتِ لحمٍ حيث وُلِدَ عيسَى ابنُ مريمَ عليهِ السلام. ثم أتى بيتَ المقدِسِ فربَطَ البُراقَ بالحَلَقَةِ التي يَرْبِطُ بها الأنبياءُ ثم دخلَ المسجدَ الأقصى فصلَّى فيهِ ركعتين. وصلّى بالأنبياء إماماً، الله جمَعَهم له هناك كلّهم تشريفاً له، ولما خرج جاءه جبريل عليه السلام بإناءٍ من خمرِ الجنةِ لا يسكِر وإناءٍ من لبَنٍ فاختَارَ النبي اللبنَ فقال له جبريل "اخترتَ الفِطرةَ " أي تمسكتَ بالدين. أما الاسراء فثبَتَ بنصِّ القرءانِ والحديثِ الصحيحِ، فيجبُ الايمانُ بأنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَسرى الله بهِ ليلاً من مكَّةَ الى المسجدِ الأقصى. وقد جاء في تفسيرِ الآيةِ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} السَّبْحُ في اللُّغَةِ التَّباعُدُ ومعنى سَبِّح اللهَ تعالى أي بَعِّدْهُ ونزِّهْهُ عمّا لا ينبغي. وقوله {بِعَبْدِهِ} أي بمحمَّد. ونِسبةُ النبيِّ الى ربه بوصفِ العبوديّة غاية الشَرفِ للرسولِ لأنَ عِبَادَ الله كثير فلمَ خصه في هذهِ الآيةِ بالذكر؟ ذلك لتخصيصهِ بالشَّرفِ الأعظم. وقوله تعالى {لَيْلاً} إنَما قال {لَيْلاً} مع أنَّ الإسراء لا يكونُ إلا في الليل لأنه أراد به تأكيد تقليلِ مدةِ الاسراءِ فإنَّهُ أُسريَ بهِ في بعضِ الليلِ من مكةَ الى الشام. وقوله تعالى {مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} إنما سميَ المسجدَ الحرامَ لحُرمَتِهِ أي لشَرَفِهِ على سائرِ المساجدِ لأنَّه خُصَّ بأحكامٍ ليسَت لغيره. والمسجد الأقصى إنما سمي بذلكَ لبُعدِ المسافةِ بينه وبينَ المسجدِ الحرامِ. وقوله تعالى {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} قيلَ لأنّه مَقَرُّ الأنبياءِ ومَهبِطُ الملائكةِ، لذلكَ قالَ ابراهيمُ عليهِ السلام {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} أي إلى حيثُ وجَّهنِي ربِّي أي إلى بَرِّ الشامِ لأنهُ عَرَفَ بتعريفِ اللهِ إياه أنَّ الشامَ مَهْبِطُ الرَّحماتِ وأنَّ أكثرَ الوحْيِ يكونُ بالشامِ وأنَّ أكثرَ الأنبياءِ كانُوا بها. قال تعالى {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} أي ما رأى تلكَ الليلةَ من العجائبِ والآياتِ التي تَدُلُّ على قدرةِ الله. فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني : أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السماوات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها : من هذا يا جبريل ؟ فيقول : محمد ؛ فيقولون : أوقد بعث إليه ؟ فيقول : نعم ؛ فيقولون : حياه الله من أخ وصاحب ! حتى انتهى به إلى السماء السابعة ، ثم انتهى به إلى ربه ، ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم . موسى بن عمران عليه السلام يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام سؤال ربه التخفيف عن أمته في أمر الصلاة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأقبلت راجعا ، فلما مررت بموسى بن عمران ، ونعم الصاحب كان لكم ، سألني كم فُرض عليك من الصلاة ؟ فقلت: خمسين صلاة كل يوم؛ فقال: إن الصلاة ثقيلة، وإن أمتك ضعيفة، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك. فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي، فوضع عني عشرا. ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك؛ فرجعت فسألت ربي، أن يخفف عني وعن أمتي، فوضع عني عشرا. ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك؛ فرجعت فسألت ربي، فوضع عني عشرا. ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك، كلما رجعت إليه، قال: فارجع فاسأل ربك، حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة. ثم رجعت إلى موسى، فقال لي مثل ذلك، فقلت: قد راجعت ربي وسألته، حتى استحييت منه، فما أنا بفاعل. فمن أَدَّاهنّ منكم إيمانا بهن، واحتسابا لهن، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة. نسأل الله أن يعيد علينا هذه المناسبة المباركة بالخير واليمن والبركات وأن يعم السلام والأمن والرخاء سائر ديار المسلمين