بقلم: إسماعيل إبراهيم شمو يلحظ بوضوح وسط المتغيرات الكثيرة والسريعة بالبلاد انتشار مفاهيم دينية دخيلة جديدة ذات نشاط كبير أعتلت فيه كثيراً من المنابر ودور الإعلام وجدت لها مرتعاً خصباً في المدارس والجامعات وبدأت تخترق المناهج الدراسية مقصدها تجميد الدين وتعقيله مستغلة الحساسية المفرطة للمؤمن بشأن ما يمس عقيدته وتوحيده وهي من الهشاشة بمكان ولكنها لا تجد من يناوئها لربما لكثرة الضغوط الحياتية والمعاناة المعيشية وسلبية كثير من العلماء وعدم وجود الضوابط أو الغيرة وبرأيي أنها لو استمرت كذلك ستكون لها آثار سلبية خطيرة على عقائد المسلمين وتفكيك النسيج الاجتماعي لهذا البلد المستقر والآمن. أسوق هذه المقدمة لأبرر ما أقول بخروج مقال أدلل به على مثل هذا التيار أطلت به جريدة «الرأي العام» بتاريخ 71/3/8002م لكاتبه راشد عبدالرحيم . إن مختصر المقال غير المسبوق ان الرسول «صلى الله عليه وسلم» ميت وشعراته ميتة ومنقطع عن كل شيء عن الحياة وآثاره كذلك معترضاً فيه على شعرات وقميص استقدمت من الخليج لتعرض في هذه الأيام لتحيا بها القلوب . وقد قدم الكاتب مبررات سطحية سريعة وبدون تروٍ من بعض النصوص عن موت النبي «صلى الله عليه وسلم» وآثاره ويمكن دحضها بسهولة فبإستجماع النصوص من القرآن والسنة يستبين بجلاء أن السبح في مضمار معاني الحياة والموت سبح لا متناهٍ وليس في قامة هذا الكاتب إذ أن الموت له عدة أوجه. ? أولاً موت الشهداء: الذين نهى الله ان نسميهم أمواتاً بنون التوكيد «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون» «آل عمران: 961».. وفي مكان آخر نهى عن القول والخوض في ذلك «ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون «البقرة: 451» وهذا يعني أن موتهم حياة راقية. ? ثانياً موت كافر كآل فرعون: قال تعالى: «النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب» «غافر: 64» إذاً فهم أحياء في برزخهم يعذبون صباحاً ومساء مع ملاحظة ان أدوات القياس الزمانية دنيوية غدوا وعشيا إذ أيضا هم في حياة خاصة يعلمها الله وقد ثبت ان الرسول «صلى الله عليه وسلم» خاطب قتلى المشركين في بدر عندما كانوا بالقليب «بئر» فيما معناه انه وجد ما وعده الله حقاً وقد ذكرهم باسمائهم وسألهم هل وجدوا ما وعدهم الله ورسوله حقاً؟ ? ثالثا موت مؤمن: والنصوص فيه كثيرة مختصرها اما ان يكون في روضة من رياض الجنة أو قطعة من نار. ? رابعاً الجمادات: حيث تبين علمياً انها ذات حركة غير محسوسة ومنها الجبال تأييدا لكتاب الله الذي نفى عنها الجمود «وترى الجبال وهي تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء» «النمل: 88» كل ذلك وما تحويه ذراتها من بروتونات والكترونات يعرفها كل طالب علم ودورانها الداخلي. وقد سخرت الجبال لتذكر مع داؤود «إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق» « سورة ص: 81» وقد نوديت الجبال والطيور لتقدس معه وتترنم بذكر الله. «وقد آتينا داؤود منا فضلاً يا جبال أوبي معه وألنا له الحديد» «سبأ: 01» وقال تعالى: «وإن من شيء إلا يسبح بحمده» «الإسراء: 81» إذا تعقل التوحيد وفي حياة لا نعلمها نحن بالكفاية. ? خامساً حياة الأنبياء: وقبل ان نستعرضها نود أن ننوه انه قد اختلف أهل العلم قديماً وحديثاً في معنى الموت ولابن القيم باع طويل في كتابه الروح قال بعض العلماء تموت النفس «كل نفس ذائقة الموت» «العنكبوت: 75» وقال آخرون الروح لا تموت لأنها هبة إلهية استسقاء من قوله تعالى: «فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين» «الحجر: 92». وقال بعضهم: يفني الجسد وتحل الروح في الجسد الأثيري، وبمتابعة الأحاديث نجد أن الأنبياء قد ألبسوا كل حلل البقاء المذكورة بدخولهم في كل هذه المعاني الحية، اخرج البيهقي أبويعلي ان النبي «صلى الله عليه وسلم» قال: «الأنبياء احياء في قبورهم يرزقون» وروى أحمد والنسائي «مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم في قبره يصلي» وروى ابن ماجة والطبراني ان الله حرم على الأرض ان تأكل أجساد الأنبياء. ? سادساً: أما ما يختص بحياته «صلى الله عليه وسلم» الذي لا يستطيع احد ان يكفيها بكمالها ولكن يمكن استشرافها من عناصر التوحيد نفسه، فالركن الأول للإيمان هو شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، والتي تسمى كلمة التوحيد فلا يقبل ولا يدخل إلا بها الاسلام في ما مضى أو الآن أو فيما سيأتي ولا تقبل بكان محمد رسول الله فمعروف إذا انقطع الأصل انقطعت الفروع وفي كل ثانية من اجزاء الكون يتردد صداها ما تم رفع الآذان أو تشهد متشهد في ديمومية أشار لها سبحانه وتعالى «ورفعنا لك ذكرك»، الشرح وقد أخذ عليها العهد كل الأنبياء وهو «صلى الله عليه وسلم» في كنه الغيوب «وإذ أخذ الله ميثاق النبيين.. الى قوله ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه أأقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا أقررنا «آية الميثاق - آل عمران: 18». أما الركن الثاني: فهي الصلاة وهي قرينة التوحيد فأين ما نجد لا إله إلا الله في كتابه العزيز نجد الصلاة بعدها صراحة مثل قوله تعالى: «إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري» «طه: 41» أو ضمنا مثل قوله تعالى: «وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة» «البينة: 5»، هذه الصلاة لا ينفك مؤديها عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من بداية الآذان والإقامة الى التشهد الذي يلزم وجوبه عند ثلاثة من الأئمة وفيه صيغة المخاطب الحي للرسول «صلى الله عليه وسلم» «السلام عليك أيها النبي» ولكن السؤال المهم كيف ومتى وأين فرضت هذه الشعيرة وهي الصلة بين العبد وربه؟ فكل متون الحديث تتفق على حديث ليلة الإسراء والمعراج الطويل الذي يبدأ بفرج سقف بيتي وجاء جبريل ومعه ملك وقد جاء بالبراق الى آخر الحديث، وقد خففها موسى عليه السلام من خمسين الى خمس ولم يكن موسى من أتباعه وقتئذ ويمشى في طرقات المدينةالمنورة وقد صلى النبي «صلى الله عليه وسلم» بالأنبياء جميعاً والتقى ببعضهم في السماوات السبع بمن فيهم موسى الذي قابله أكثر من مرة. وفي سورة السجدة برهان «ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكون في مرية من لقائه» «السجدة: 32» إذاً الأنبياء بمن فيهم موسى في حياة غير معلومة التقدير استفادت منها الأمة بتخفيف الصلاة، فكيف لا تستفيد منه «صلى الله عليه وسلم» وتعتقد أنه في حياة متسامية خاصة وأنه في بطون الكتب مما لا يسعه المقال من أحاديث الصلاة عليه «صلى الله عليه وسلم» في انه يسمع صلاة المصلين ويرد سلام المسلمين وتعرض عليه الأعمال. أما عن الآثار وهي مفاخر الأمم ومصدر دخل لكثير منها كمصر وأسبانيا واليونان فمتسع هذا الدين لم يغفلها معنى أو مبنى قال تعالى: «إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم» «يس: 21» وقصة السامري المشهورة في الآية: «بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول.. الى قوله تعالى فاذهب فإن لك في الحياة ان لا تقول لا مساس» «طه: 46-69» فهو قد انتبه لما لم ينتبه له غيره من أثر مهم من بقايا الملك رأى الأرض تخضر به فأضل بني إسرائىل وأقر واعترف فعوقب بالطرد فقط. ولكن الأهمية الكبرى لهذه الآثار تتجلى في قوله تعالى «وقال لهم نبيهم إن آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة» «البقرة: 842» فباستقراء هذه الآية نجد ان البقية هي آثار الأنبياء المذكورين حفظها الله آلاف السنين مع التفطن انها لم تأت مشياً وإنما تحملها الملائكة مع ملاحظة انها أتت في وعاء قبر وهو التابوت وسرت السكينة في التابوت ليتلمسها الناس وأياً كانت هذه الآثار عصا أو قميصاً في أغلب التفاسير فإنها لأنبياء دون النبي «صلى الله عليه وسلم» فكيف لآثار من قال أنا سيد الناس، والحديث في الترمذي وأنا سيد ولد آدم ولا فخر وآدم وما دونه تحت لوائي والحديث في البخاري. إن الشعرات موضوع الخلاف ليست منفصلة عن ذاته «صلى الله عليه وسلم» ومعروف في كتب السيرة ان خالد بن الوليد ما حاز لقب سيف الله المسلول الذي كان ينتصر به إلا بشعيرات كانت لرسول الله «صلى الله عليه وسلم» يضعها في قلنسوة هذا غير الأحاديث الكثيرة في الصحيحين أن الصحابة كانوا يقتتلون على بقاياه وكان يقسم شعره، وصح ان ذاته الشريفة ليست ككل الذوات فقد روى آلافاً من الجيش من أصبعيه، فعن جابر في الصحيحين وغيره قال: عطش الناس يوم الحديبية وكان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بين يده ركوة يتوضأ منها وجهش الناس نحوه فقالوا يا رسول الله ما عندنا ما نتوضأ به ولا ما نشربه إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت: كم كنتم قال: كنا خمسة عشر ومائة وقد تحير صحبه هل كان كل هذا الماء في ذات النبي «صلى الله عليه وسلم» أم من أين خرج؟ والداخل للروضة الشريفة على يمينها أعلى الحجرة يجد شاهداً منقوشاً في أعلى الجدار مسطراً بحروف من ذهب القصيدة المشهورة: يا سيدي يا رسول الله يا سندي مالي سواك ولا ألوي على أحد يجد مكتوباً: يا من تفجرت الأنهار نابعة من أصبعيه فروى الجيش بالمدد ويقال: إن هذا الماء أفضل المياه على الإطلاق. أفضل الماء ماء قد نبع من بين يدي النبي المتبع يليه ماء زمزم والكوثر ونيل مصر وباقي الأنهر إن غالب عبادات المسلمين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بآثار الأنبياء والمرسلين وما قرب منهم فالصفا والمروة جبال علاقتها بالسيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم عليه السلام كانت تجري بينهما بحثاً عن الماء خلدها الله بأن جعلها عبادة وأضافها اليه «إن الصفا والمروة من شعائر الله ومن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما» «البقرة: 721» والكعبة أيضاً مرتبطة بهذا النبي وهو الذي بناها «وإذ يرفع إبراهيم القواعد» فهي من الأحجار تتجه ويسجد تحتها مليارات من المسلمين ويجمع العلماء ان الله لا خلا منها ولا داخل فيها ولكنها رمز تعبدي كبير. أخيراً إننا في زمان أصبحت السيطرة فيه للعلم وصار فيه الخيال حقيقة واللا معقول أضحى معقولاً وبيننا كتاب الله ودستوره الأول القرآن ليس للمسلمين فقط وإنما لكل الناس «اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم» «العلق» فلابد من التطلع للأوسع والأعلى لكل ما يتعلق بهذا الدين ونبيه الكريم الذي أتحفه الله بما لم يخص به غيره من البشرية قدراً ورفعة وبعض آيات في كتاب الله تبين ان مكانته لا تدرك ومقامه لا يستقصى تتحدث احداها عن رحلة بدأت من حيث انتهت مصدرة في بدايتها باستظهار القدرة الإلهية مقرونة بالصحبة الربانية وهو قوله تعالى: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير» «الإسراء: 1»، وآية اخرى تبدأ باسم الله الجامع نابعة من حظيرة القدس مبتدئة بالملأ الأعلى ثم تتنزل على أهل الإيمان «إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً» «الأحزاب: 65» وآية اخرى: «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم» «الفتح: 10».