( صلاح شكوكو ) كثيرة جدا هي إحباطاتنا الرياضية وقليلة جدا أفراحنا فيها .. وحتى هذه الأفراح القليلة كانت تتأتى على محمل من النصر الخجول .. والذي يكون فيه النصر محمولا على أداء ضعيف .. وهنا يصبح النصر باهتا بل خطرا كبيرا لأن هذه الإنتصارات تخفي تشوهات وندوب وبثور. ففي تقديري المتواضع أن الإنتصارات أحيانا تكون أعظم خطرا من الهزائم لأن الهزيمة لها وجه واحد بينما الأخرى تحجب زوايا الرؤيا الخلفية فتضيع أشياء خلف الستر . ذلك أن الهزيمة جلية تأتي مراراتها بلا زبد فيرى الناس كدرها وطينها. لكن حقيقة وأحدة كانت قد تجلت أمامي في ملحمة الأحد .. وأنا أشاهد مبارة الهلال والأهلي .. فقد رأيت أحد عشر كوكبا .. في سماء زرقاء وليل ناصع جلي .. رأيتهم وهم يطرزون بساطا أخضرا بمغزل المهارة والحذاقة والتفوق . ولقد وجدتني دون وعي مني قد تحولت الى صوت المعلق المصري في الجانب الآخر لمحطة (( ART )) والذي تهتكت أوداجه وهو يحاول أن يصف مايشاهد وكان الفراعنة قد إنقلب عليهم سحرهم .. والذي كان يتشدق ببعض الفراعة من بناة الأهرامات .. وأولئك الذين (( ضربوا الهوا دوكو )) وكثير مت الحديث الذي ظلوا يحجمون به الآخرين . لكن الروعة تكمن في إنتصار الهلال .. والذي أعتبره إنتصارا للتاريخ .. بل لعله إنتصار للمك نمر وكل المقهورين الذين حاول إسماعيل باشا أن يسترقهم من خلال حملته على بلادنا بحثا عن الذهب والرجال . ومما يزيل الموقف بهاءا أن الهلال إنتصر في تلك الواقعة بثلاثة أهداف صافية مما يعني التفوق لأن الهدف والهدفين قد يتأتيان مصادفة لكن الثلاثة لا تكون إلا تعبيرا عن الجدارة .. بل هي متنوعة في شكلها ورسمها أيضا وبكل الوسائل التي تتأتى بها الأهداف غالبا .. نعم هدف بالرأس .. وآخر قذيفة أرضية مخترقة أوصال الحضري والثالث إختراقا بين أرجل المتمترسين لحماية العرين .. وهنا يكون النصر مقنعا على الأقل للمتجرعين مرارته وعلقمه .. لكن مسألة أخرى كانت جديرة بالرصد وهي الهتافات العاتية التي كانت تهز الملعب هزا وهي تهدر (( الثأر الثأر ياحضري )) مما يؤكد أن العقل الجمعي لهذه الجماهير إستصحب فعلا فجر مكامن الغضب فيها .. وهذه كانت قداحة الدافع في الهلال .. مما أكد للمصرين أن الطريق الى جبال بني شنقول ليس سهلا ... صحيح أنني ضد إستعداء الآخرين .. بل أنني ضد العداء الرياضي أصلا .. لكن نظرة الإستعلاء وتشكيل الآخرين في دونية المكامن تجعل الناس سعداء بمحفل سقوط المتكبرين والمتفرعنين .. وقديما قال الشاعر :- وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند أما صاحبنا المعلق الذي أنفعل ودخل لجة التاريخ .. وحاول أن ينسج حولنا نسيجا من التطويق والتكبيل بأن الأهلى هو فريق القرن وأن الكبير (( يمرض وما يمتش )) وأن الهلال يافع يحبو ويود أن يستأسد أمام البطل .. وكثير من الهذيان الذي أنقطع إسترساله في شوط المباراة الثاني وقد نسي الرجل أن النيل يأتي من الجنوب الى الشمال .. أتدرون لماذا إنتصر الهلال على الأهلي ؟؟؟ لقد إنتصر الهلال بفعل الإنفعال الذاتي الذي ولد في دواخل لاعبية تجاه الإستفزاز الذي حاق به في المعاركة الأولى .. فكانت بمثابة الشرارة التي حركت السكون وحرقت مركبة الأهلي .. فظهر الهلال كالمارد الذي لايرضى بغير النصر بديلا .. وهذا هو ذات الشعور الذي أحسه الفريق العراقي وهو يفوز بكأس آسيا .. صحيح أن لنا رأيا في الممارسة الرياضية لدينا .. وصحيح أن الرياضة تعتيرها كثير من التشوهات والنواقص .. ولكن هذا النصر جاء على سرج سابح ليضع الحصان أمام العربة ويقول للمهتمين بالرياضة جهزوا العربة فلا مجال للإنكسار .. لقد أحس اللاعبون أن هذه المبارة تعني لهم الكثير .. بل أحسهوا أن لا صوت يعلو فوق صوت النصر .. فمهما حفزنا اللاعبين وهما شرحنا لهم الخطط والتكتيكات فلن تجدس فتيلا أن لم نحفها بالدافع الذاتي والشعور الجارف الذي يعني البذل والعطاء .. نتمنى للهلال النصر وللمريخ كذلك .. رغم إدراكنا العميق بأن قزة الهلال والمريخ تكمن في دوري قوي تكون الندية فيه كبيرة .. إذ لا فائدة لتقوية الهلال والمريخ وبقية الأندية مجرد (( كمباس )) ومشاركين في جدول الدوري . صحيح أننا نحتاج الى الكثير حتى نرتقي رياضيا .. لكن نصر كهذا على الجار الجنب والجار ذو القربى يعطينا دفعة معنوية نحن أحوج إليها في مسيرة البناء . وياليتنا نلبي كل الإستحقاقات المطلوبة للإرتقاء حتى لا تتأتى إنتصاراتنا من جوف الغبن والمرارت . وتهنئة حارة بلون الذهب نسوقها لكل أهل الرياضة .. ونقول لهم من لم يهزه إنتصار الهلال فيراجع معينه من الوطنية .. ومازالت في فمي بقية من ماء لم يدلق . ملء السنابل تنحني بتواضع **** والفارغات رؤسهن شوامخ صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو ) [email protected]