تتعدد الواجهات وتنتشر اللافتات التي تعلن عن المشروعات والمبادرات الخيرية بالسودان أو ما أصطلح عليه بمنظمات العمل الطوعي، حيث أن قيمة التطوع لمساعدة الغير تعتبر جزء لا يتجزأ من قيم وموروثات الشعب السوداني، كالنفير والفزع والمشاركة في الأفراح والأتراح ومواسم الحصاد، وبذلك سبق الجهد الشعبي في العمل التطوعي الجهود الحكومية في دعم الشرائح الضعيفة وإستطاعت المنظمات الطوعية سد الكثير من الثغرات التي قد تنتج عن العجز الرسمي بسبب قلة الموارد أو ترتيب الأولويات. تساؤلات مشروعة وبالرغم من القناعة التامة بضرورة التكافل والتآزر وعمل الخير كجزء من تقاليد المجتمع السوداني، إلا أن هنالك تساؤلات كثيرة تظهر علي السطح خاصة بعد توسع العمل الطوعي وكثرة المنظمات العاملة فيه على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، حيث تعددت المجالات التي تنشط فيها منظمات العمل الطوعي والإنساني، فبعضها ينشط في العمل الإغاثي من خلال توفير الغذاء والدواء وآخر مهتم بالإيواء وتوفير بدائل السكن للمتضررين جراء الظروف الطبيعية أو الحروب، وأبرز التساؤلات حول قضية التمويل لهذه المنظمات ومدي إستقلاليتها المالية وكفاية مواردها وعدم تعرضها للوقوع فريسة تحت ضغوط أي جهة سواء كانت داخلية أوخارجية وغيرها. كما يبرز السؤال حول كثرة هذه المنظمات ومدي تأثيرها وهل هنالك حوجة فعلية لهذا الكم الهائل من المنظمات التطوعية أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد لافتات وواجهات فقط؟ وهل سيساهم تجمعيها وتنظيمها وفقاً للإهتمامات والتخصصات في رفع كفاءتها وتجويد أداءها والإستفادة القصوي من الموارد المتاحة لخدمة القطاعات المستهدفة وسط المجتمع السوداني؟ خاصة في المناطق النائية وفي الأرياف والمناطق المتأثرة بالنزاعات. كما تبرز تساؤلات أخرى عن الأهداف الحقيقية لهذه الواجهات الطوعية، حيث يرى البعض أن الكثير من الواجهات الناشطة في العمل الطوعي لها أهداف سياسة وأجندة غير معلنة وتعمل تحت ساتر العمل الإنساني مما يوقعها أحياناً تحت طائلة القانون، وتشير بعض الإتهامات بأن تمويل المنظمات محصور على جهات بعينها، بل قد تصل الإتهامات أحياناً لدرجة الإتهام بالتخابر مع الجهات الأجنبية كالسفارات أو المنظمات الدولية، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا تحتاج للإستدلال. إحصائيات وأرقام الإحصائيات والأرقام الخاصة بعدد المنظمات الطوعية بالسودان غير دقيقة وتتفاوت بين الأرقام المعتمدة لدي مفوضية العون الإنساني والأعداد الكبيرة للمنظمات المنتشرة علي طول البلاد وعرضها، فالمفوضية تشير إلي أن العدد المسجل لديها يبلغ (3800) منظمة سودانية وأجنبية، بينما يؤكد المهتمون بمجال العمل الطوعي والإنساني بالسودان أن العدد أكبر من ذلك بكثير بسبب تهرب البعض من رسوم التسجيل أوالتجديد السنوي لدي المفوضية، وسبب آخر هو أن بعض هذه المنظمات صغير جداً وذات أغراض ومشروعات تختص بمنطقة جغرافية معينة أو تجد دعماً وتمويلاً من جماعات قبلية وإثنية معينة ولاتسعي للتسجيل لدي المفوضية وليست لديها رغبة في عمل شراكات مع منظمات أكبر بغرض تذليل العقبات في الحصول علي التمويل أو التدريب. قرار السودنة رغم الأهمية الكبيرة للمنظمات الطوعية وأدوارها المشهودة التي تؤديها وسط المجتمع السوداني، وقيامها بسد الكثير من الثغرات والفراغات التي تنتج عن عجز الدولة وقصورها في بعض الأنشطة والإحتياجات الإنسانية، ورغم إيمان الدولة القاطع بدور المنظمات الإنسانية وأنه لابديل للعمل التطوعي لحل الكثير من الإشكالات التي تواجها الكثير من المجتمعات علي طول البلاد وعرضها، إلا أن قضية التمويل تضعها دائماً في دائرة التربص والإتهامات من الدولة ومن المجمتع أحياناً، فالحكومة السودانية سعت في الكثير من الأحيان لوضع الضوابط واللوائح لعمل المنظمات ومصادر تمويلها وآليات توزيع معيناتها خاصة المنظمات الأجنبية، حيث أصدرت السلطات قرار سودنة المنظمات بغرض تفادي المظاهر السالبة التي ظهرت بحكم التجربة خاصة من بعض المنظمات الغير حكومية والتي لاتنتمي لمنظمات الأممالمتحدة أيضاَ في مناطق دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن تجربة شريان الحياة سابقاً أثناء الحرب بجنوب السودان، كل هذه التجارب أدت إلي الإحتكاكات بين السلطات وبعض المنظمات بل وصل أحياناً للطرد والإبعاد من البلاد. في حين تنظر بعض المجتمعات التي تعمل المنظمات وسطها إلي عمل بعض المنظمات بالريبة والشك خاصة بعد تجربة المنظمة الفرنسية التي نشطت في إختطاف وترحيل الأطفال من المعسكرات إلي فرنسا، وتجربة بعض المنظمات الأمريكية والبريطانية التي نشطت في العمل التنصيري وسط المجتمعات المسلمة في دارفور. لكن المنظمات الأجنبية تنفي عن نفسها دائماً هذه الإتهمات، بل تحتج بعضها بأنها تعمل تحت ظروف بالغة الصعوبة، ولاتجد المشروعات الجادة من قبل المنظمات المحلية لتقدم لها التمويل، وأن جزء كبير من هذه المنطمات يفتقد الخبرة الكافية في هذا المجال ولا يعرف منسوبيها كيفية كتابة المشروعات وتقديمها للجهات الداعمة، وأن بعض المنظمات المحلية عبارة عن واجهات وليس لها وجود علي أرض الواقع. نظرة المجتمع الحذرة تجاه المنظمات لم تقتصر علي المنظمات الأجنبية فقط وإنما كان للمنظمات الوطنية نصيب أيضاً، فالمجتمع السوداني تكافلي بطبعه ويحب عمل الخير ومساعدة الغير، لكن بعض المنظمات تواجه إتهامات بإستغلال الظروف الإنسانية للحصول علي التمويل من الحكومة والمانحين، وعدم توجيهها لوجهتها الصحيحة، وبالرغم من أنه إتهام فضفاض وعريض إلا أن التعامل معه بجدية من المنظمات يعيد لها ثقة المواطن ويطمئن الممولين والمانحين بأن أموالهم لاتذهب سدى.