د. محمد مورو إذا كانت الذكرى تنفع المؤمنين، فذلك لأن المؤمن هو الاقدر على فهم واستخلاص العبر، والتفاعل مع الحدث سلبا وايجابا دون تحيزات مسبقة أو عقد شخصية أو هزيمة نفسية ولكن انطلاقا من الثقة بالله ثم بالنفس، الثقة بأمته والثقة بأن الله قادر على كل شيء، وبالتإلى قادرعلى هزيمة الاستكبار مهما كان جبروته.الدعوة القرآنية المعروفة بالسير فى الأرض والنظر ومن ثم التدبر والاتعاظ هى دعوة فى معناها الشامل بضرورة الاستفادة من عبر الاحداث وتدارس آثارها المستقبلية، فما بالك والحدث لا يزال ساخنا ولا تزال تأثيراته قوية جداً، ومتوالية جداً، ونحن كأمة تقع علينا معظم آثار هذا الحادث. أحداث 11 سبتمبر 2001 والتى تمثلت فى الهجوم بطائرات مدنية بعد اختطافها على عدد من رموز القوة الأمريكية فى نيويوركوواشنطن وخاصة مركز التجارة العالمى فى نيويورك، ومبنى البنتاجون فى واشنطن، أى رمز الاقتصاد الرأسمإلى العالمي، ورمز القوة العسكرية الأمريكية ، وهذا بالتحديد يعنى الهجوم على مركز السلطة والسيطرة فى أمريكا والعالم، ذلك لآن من المعروف أن الذى يحكم أمريكا وبالتإلى يهيمن على العالم باعتبار أن أمريكا هى القطب الأعظم حاليا وحيد القرن هو المجمع الصناعى العسكري. ولعل النجاح الذى حققه الهجوم يعنى أن بإمكان قوة صغيرة مؤمنة بأهدافها أن تنزل أشد الألم بقوة جبارة عاتية انهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وهذا يفتح الباب واسعا أمام امكانية تحدى الجبروت الأمريكى والصهيونى فى عقر داره ويثبت أن الانسان أقوى من التكنولوجيا، وأن الأجهزة والاستخبارات والاستحكامات لم ولن تنجح قط فى تحقيق حماية مطلقة وبالتإلى فإن الأمل لا يزال موجوداً فى امكانية المقاومة. توجهت الولاياتالمتحدةالامريكية بالاتهام فى أحداث 11 سبتمبر إلى تنظيم القاعدة وتحركت على هذا الأساس على أكثر من محور ومستوى منها محور الغزو العسكرى لافغانستان للقضاء على ما أسمته القاعدة الاساسية للتطرف والارهاب الاسلامي، ونجحت فى اسقاط نظام طالبان ولكنها لم تقض على الارهاب المزعوم، ولا أوقفت فعله عبر العالم وعبر أفغانستان نفسها، فعمليات القاعدة تواصلت فى افريقيا وآسيا والعراق، ولا تزال تهدد المدن الأمريكية ذاتها بل ولاتزال طالبان تهاجم الامريكيين وحلفاءهم فى افغانستان.وفى الاطار نفسه قامت الولاياتالمتحدة بغزو واحتلال العراق ولكنها وقعت فى مستنقع هائل من المقاومة العراقية والاسلامية والعربية فى العراق واطلقت يد اسرائيل فى ضرب المقاومة فى فلسطين ولبنان ولكن المحصلة ان المقاومة تزداد فى فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان وكل مكان، وهكذا فشلت أمريكا فشلاً ذريعا فى هذا الشق من المسألة واكتشفت أن القوة العسكرية مهما كان جبروتها وتقدمها غير قادرة على حسم نهائى للمسألة، وهذا بالطبع من رحمة الله تعالي. كثفت الولاياتالمتحدةالامريكية هجومها الأمنى والثقافى والاعلامى على ما يسمى بالارهاب الاسلامي، فقامت بتحديد جماعات وأفراد بأنهم ارهابيون، وجمدت أرصدة فى البنوك، واعتقلت أفراداً وحظرت جماعات، وضغطت على دول لتغيير مناهج التعليم وتغيير أجواء الثقافة التى تفرز الإرهاب، ومارست أجهزة الأمن الأمريكية قدراً هائلاً من النشاط بهدف جمع المعلومات والضغط على الدول، والتعدى على حريات وتجاوز القانون داخل أمريكا وخارجها بهدف إمساك أكبر قدر من عناصر الارهاب الاسلامى تمهيدا للقضاء عليه، وبرغم التعاون الذى أبدته الكثير من الدول والجماعات والأفراد فى هذا الصدد فإن المحصلة كانت ضعيفة ولايزال المنتسبون إلى الارهاب الاسلامى يعملون بنشاط ولم تصب الممارسات الامريكية فى حقيقة الأمر إلا العمل الخيرى الانساني، ونوعا من القلق والتوتر لدى حكومات صديقة وتظل العوامل المفرّخة للارهاب تزداد خصوبة وقوة ذلك انها عوامل ترتبط بإحساس عالم وأمّة ودول بالظلم على يد أمريكا وحلفائها واتباعها، وبالتإلى فدون رفع هذا الظلم فان المطاردات الأمنية وتجميد الأرصدة وتغيير مناهج التعليم لن يؤدى إلى المطلوب بل ربما العكس، والحقيقة أن الحاسة الاستعمارية الغبية قادت الأمريكيين إلى الظهور بمظهر المعادى للأمة الاسلامية والدين الاسلامى واستفزت المزيد من قطاعات ما يسمى بالاعتدال الاسلامى لأن يكون ولو وجدانيا فى صف ما يسمى بالتطرف الاسلامي، وفى غضون ذلك فان التجاوزات التى قامت بها الاجهزة الامريكية فى الداخل الامريكى أدت إلى نسف فكرة المجتمع الليبرالي، وفكرة حقوق الانسان بل وفكرة الديمقراطية ذاتها، وهو أمر له مردوده الاستراتيجى على المنظومة الليبرالية الغربية برمتها، وعلى الدعاية الأمريكيةوالغربية فى هذا الصدد، ويؤكد من جديد على كذب تلك الادعاءات التى لا تصمد أمام الظروف الصعبة، بالاضافة إلى تداعيات سلبية مؤكدة على المجتمع الأمريكى نفسه. يزعم البعض أن أحداث 11 سبتمبر هى التى أدت إلى ظهور ما يسمى باليمين الأمريكي، وهى التى أدت إلى ظهور مفاهيم الامبراطورية الامريكية، ودفعت بالادارة الامريكية إلى احضان الاسرائيليين اكثر، ولا شك ان هذه رؤية قصيرة النظر، لان اليمين الامريكي، ومفاهيم الامبراطورية والتحالف الامريكى الصهيونى امور سابقة على احداث 11 سبتمبر، وموجودة فى البنية السياسية والثقافية الأمريكية ، وأن هناك أدبيات منشورة وحقائق معروفة حول خطط قوى اليمين الامريكى الامبراطورى تتحدث عن احتلال العراق وغزو افغانستان، بل وتفكيك دول المنطقة العربية واطلاق يد اسرائيل فى المنطقة وغيرها يرجع إلى اكثر من عشر سنوات قبل احداث 11 سبتمبر، ويصل الامر بالبعض إلى حد استنتاج أن اليمين الامبراطورى الامريكى المتحالف مع المجمع الصناعى العسكرى الامريكى والموإلى للصهيونية هو الذى دبر أحداث 11 سبتمبر لتبرير تنفيذ اهدافه المحددة سلفا. يتصور البعض فى اطار نقده لاسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وما يسمى بالارهاب الاسلامى عموما، أن تصرفات هؤلاء هى التى أدت إلى قيام امريكا باحتلال افغانستان والعراق، وأدت إلى محاربة امريكا للاسلام والمسلمين، وأنها قادت بالتإلى إلى كارثة للمسلمين والعرب لانها وضعتهم فى وضع المستهدف من قوة جبارة لا قبل لهم بها. وبصرف النظر عن الرأى فى كون الارهاب الاسلامى المزعوم هو الذى قام باحداث 11 سبتمبر أم لا ؟ وبصرف النظر عن الرأى فى صحة ومشروعية هذا العمل من عدمه ؟ وبصرف النظر عن الرأى فى اسامة بن لادن والقاعدة وغيرها، فإن من المعروف أن استهداف العالم الاسلامى والمسلمين لم يكن جديداً ولا رد فعل لحادث 11 سبتمبر بل هو جزء من الوجدان الصليبى الامريكى الغربى الموجود بقوة لدى هؤلاء، وأن ذلك وجد فرصته للظهور ليس بعد احداث 11 سبتمبر بل بعد سقوط الاتحاد السوفيتى والمنظومة الاشتراكية، أى بعد انتهاء الاستقطاب الدولى والتحدى الاشتراكي، وبالتإلى احساس الغرب الرأسمإلى بالحاجة إلى عدو بديل، وجده فى الاسلام لأن ذلك يلبى رغبة ووجدانا غربيا موجودا بالفعل، ولاسباب تتعلق برؤية الغرب الرأسمإلى بضرورة القضاء على المنظومات الثقافية والدينية فى العالم التى يمكن أن تشكل عائقا أمام العولمة وتغول الرأسمالية، ولا شك أن الاسلام بما يملكه من منظومات سياسية واقتصادية واجتماعية وقيمية واخلاقية مختلفة ومتعارضة مع الرأسمالية هو الذى يشكل أهم العوائق أمام تغول الرأسمالية، وسيادة نمط العولمة، وبالتإلى تم استهدافه كحركات وافكار ومنظومات ونظم تعليمية وثقافية من قبل الغرب وامريكا. على جانب آخر فإن لاحداث 11 سبتمبر جانبها الايجابى بالنسبة للاسلام والمسلمين فاذا كان العالم كله وتحديدا أكثر من 58% من سكان العالم يعانون من الظلم والفقر والقهر بسبب الهيمنة الرأسمالية والأمريكية ، فإن ايقاع الاذى بامريكا عن طريق مسلمين "وإن بطريقة غير مقبولة" يعنى أن المسلمين هم الأكثر قدرة على مواجهة أمريكا وهم الذين ينتقمون لهؤلاء الضحايا من مختلف الاأيان والاعراق وبالتإلى يرفع صورة الاسلام ويقدمه كايديولوجية للفقراء والمستضعفين فى مواجهة الرأسمالية و الأمركة والصهينة، وكذلك يساهم فى نشر الاسلام كنوع من لفت النظر اليه وبالتإلى الاهتمام بدراسته وقد حدث هذا فى كل العالم بما فيه امريكا والغرب بعد احداث 11 سبتمبر 2001 . وكذلك، فإن الاجماع الوطنى فى العالم العربى ينعقد حول ادانة امريكا واذا كان الاسلاميون هم الذين اثبتوا القدرة على مواجهتها، فإن هذا يعنى سيادة الخطاب الاسلامى السياسى والثقافى على ما عداه من خطابات علمانية او خطابات ذات مضامين اخري، وهذا أفاد الحركة الاسلامية فائدة كبري، بل جعلها هى القوة الشرعية الوحيدة تقريبا، ولا شك ان هذه اثار ايجابية ضخمة. على ان هناك اثرا ايجابيا استراتيجيا يتمثل فى انه لو صح أن الاسلاميين هم الذين نفذوا 11 سبتمبر فان معنى ذلك انه حدث غزو اسلامي، وهجوم وليس دفاعا وهذا معناه التطبيق الصحيح لفكرة الجهاد، وهذا يعنى اقامة فريضة وهو ما يعنى ارضاء الله تعالي، وبالتإلى من المتوقع ان يكون ذلك نوعا من استكمال الشروط لنزول مدد الله، وهو مدد هائل ونوعى ولا يمكن توقع اثاره الايجابية الضخمة على كل مستوي، ويكفى ان تعرف ان القاعدة القرآنية تقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا اى ان الجهاد هو الطريق إلى الوعى والنهضة والتقوى والتقدم والانتصار، وبدون الجهاد الغزو ننحط حضاريا ونتأخر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتقل التقوى فينا. المصدر: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ)