عودة الاستقرار الى جنوب كردفان التى عاشت بعض مناطقها ظروف الحرب بكافة افرازاتها السالبة، جعل القائمون على الامر يلتفتون الى وضع اسس صحيحة تؤدى الى البناء السليم للمجتمعات القائمة. ولأن واقع التعليم قد تأثر كغيره من القطاعات بالحرب التى ادت الى تعطيل وتدمير المدارس، فضلاً عن هجرة الطلاب مع أسرهم من منطقة الى أخرى بحثاً عن الأمن، كان لابد من إعادة تقييم للعملية التربوية والتعليمية برمتها للوقوف على الحقائق، ومن ثم محاولة الارتقاء بها الى درجة تجعل التعليم مشاع للجميع فى المدن والارياف . وشهد شهر مارس الماضى مؤتمر قضايا التعليم بولاية جنوب كردفان بحضور وكيل وزارة التعليم الاتحادي، وخرج المؤتمر بتوصيات لمست عصب المشكلات التى يعاني منها قطاع التعليم بالولاية والتى سيتم رفعها الى مؤتمر قضايا التعليم بالسودان الذى سيعقد لاحقاً. ظلت قضية وجود منهجين تعليميين بالولاية من الهواجس التى تؤرق القائمين على امر التعليم، فهذه الازدواجية التي كانت ناتجاً لفترة الحرب أصبحت وضعاً غير مقبول فى فترة السلام التى تجلت بالتوافق والتواضع على توحيد الرؤى تجاه قضايا الولاية المختلفة. ولمواجهة المشكلة تم عقد ورشة لمواءمة المنهج بجامعة الدلنج شارك فيها الخبراء والتربويون على رأسهم د. كبشور كوكو والاستاذ عبدالباسط عبد الماجد وعدد من الخبراء والمسؤولين بالولاية، تبعها عمل متواصل واجتماعات بكادقلى وكاودة والخرطوم والدويم، وقامت كل شعبة مختصة برفع توصياتها حول شكل المنهج الأمثل فى انتظار تنفيذ هذه التوصيات على ارض الواقع . ويمكن ضرب المثل بمنطقة (جُلُد) إحدى المناطق المختارة التى كانت مغلقة بسبب الحرب ولم تنفتح الا مؤخراً، حيث توجد بالمنطقة مدرسة واحدة تدرس بالمنهج القومى مقابل (6) مدارس تعمل بالمنهج الكيني واليوغندي مما يجعله غير مناسب للبيئة المحلية التى يدرس فيها . اما حاجة الولاية لمزيد من المعلمين فى كافة التخصصات فهي من القضايا التى تتطلب التحرك العاجل من المسئولين على مستوى المركز وليس الولاية فحسب، خاصة اذا ما وضعنا فى الحسبان عودة الدراسة لكثير من المدارس التى كانت مغلقة فى فترة الحرب، وعزم وزارة التربية بالولاية افتتاح المزيد منها، كما ان المدن تشهد فائضاً فى القبول.. وهذا كله يحتاج الى استيعاب المئات من المعلمين، علماً بأن الولاية تعمل بقاعدة ربط اقل من العدد المطلوب – فاذا كانت المدرسة الواحدة تحتاج الى (14) معلما فأنها تعمل بثمانية فقط وأحياناً بمعلم واحد في الأرياف. وتكمن اسباب النقص كما يقول مدير مرحلة الأساس بوزارة التربية بالولاية عجيب أندو حامد فى ان التخصصات المطلوبة اصبحت نادرة بجامعة الدلنج، الى جانب ان كثيراً من الخريجين يفضلون العمل بالمدن والمدارس الخاصة. وللتغلب على المشكلة تم وضع مقترحات تتمثل فى تحديد مرتب مجزى للمتعاقدين زائد مصروف الاعاشة وتعيينهم فى الدرجة الثامنة على أن يمنحوا تذاكر السفر من مناطقهم الى مدارسهم وبالعكس، وذلك لترغيب المعلمين فى التدريس بمختلف مناطق الولاية. ولاشك ان البنية التحتية للبيئة المدرسية تحتاج الى اعادة بناء وتأهيل مستمر، وهذا ما تنبهت له حكومة الولاية لكن الى حين وصول يد التعمير الى جميع المناطق فأن العمل بالمدارس يسير وفق نظام المجموعتين ( أ) و( ب )، الاولى تعمل فى فصل الخريف وتستطيع مقاومة الظروف الطبيعية وهذه تعمل فى الفترة من يونيو حتى مارس فى نفس فترة التقويم القومى . اما الثانية تشمل معظم مناطق الريف وبيئتها المدرسية غير جيدة ولاتستطيع فصولها، مقاومة الامطار وتبدأ الدراسة فيها من ابريل حتى يونيو تلافيا لفصل الخريف على ان تكون الفترة الثانية من اكتوبر وحتى مارس. وهذه تحتاج لأجتهاد لتكملة ايام الدراسة التى تبلغ ( 210 ) يوما رغم انها تواجه احيانا المجئ المبكر للخريف الذى يؤثر على اكمال الفترة الاولى . ولأن بعض المجتمعات فقيرة فإن البيئة التعليمية تتأثر سلبا، فبعض الاسر تعتمد على الابناء والبنات فى عمليات الزراعة والرعى ولايشكل التعليم لها اولوية، كما ان الاهتمام بتعليم البنات ضعيف، فالعاداتوالتقاليد تقول ان البنت مكانها البيت وعلى الدنيا في انتظار الزواج، اما الرحل فان تنقلهم وعدم استقرارهم فى مكان واحد بحثاً عن الكلا يبرز اشكالات عدم استقرار التلاميذ وانتظامهم فى الدراسة، وهناك خطط أعدت فى هذا الجانب اقترحت تجميع هؤلاء التلاميذ فى داخليات من بعد الصف الرابع وحتى جلوسهم لأمتحانات الاساس، لكن العقبات الاقتصادية والاجتماعية فى المجتمعات تقف حائلاً امام تحقيق ذلك. ورؤية القائمين على امر التعليم ان احصائيات المدارس بالريف متذبذبة بحكم الهجرةالمستمرة للمدن وبطء عمليات العودة الطويلة مما قلل نسبة الذين هم فى سن الدراسة. وهناك مقترحات بان تجمع كل 4 أو 5 مدارس في مدرسة واحدة بنظام الداخلية، وبالتالى تقليل التكلفة وحل مشكلة نقص المعلمين، فاذا كانت 5 مدارس تحتاج الى (30) معلماً فيمكن ان يقوم بالتدريس (8 - 9) معلمين في حالة تجميع هذه المدارس. وتبقى قاعدة التعليم مسؤولية الجميع حاضرة خاصة في حالة جنوب كردفان، فالحكومة الاتحادية والولائية لهما دور فى توفير البنية التحتية ، كما ان المجتمعات المحلية في حاجة للأقناع بتغيير نظرتها للتعليم. اما منظمات المجتمع المدنى فان لها دور منتظر فى الاسهام بتأمين احتياجات التعليم خاصة وان المنظمات الدولية العاملة التى لها دور حالياً بتوفير بعض المعينات الا انها انهت وجودها فى بعض المناطق بعد عودة الاستقرار اليها وهو ما يلقي بعبء إضافي في سد الفراغ الذي كانت تشغله.