ويبدو أن هذه التصريحات تنطلق في الفضاء الإعلامي بقوة دفع لا تريد للسودان أن يصل إلى نهايات حاسمة أو تسوية شاملة لقضية دارفور. وقد ظلت حركات دارفور خاصة تلك التي لازالت تتخذ من السلاح خياراً أولاً في التعامل مع قضاياها ومطالبها من الحكومة السودانية وحتى حكومة الجنوب نفسها تأخذ من تصريحات بان كي مون مرشداً وهادياً لشكل تفاهماتها وتأملاتها مع شريكها في الحكومة الاتحادية. ولذلك فإن ما صرح به الأمين العام للمنظمة الدولية حول ما يسميه بالخطر القادم على استقرار السودان بسبب قضية الاستفتاء التي لم يتم التوصل بشأنها إلى رؤية واضحة بين الشريكين بالإضافة إلى قضية دارفور والتي تلعب الحركات المسلحة دوراً كبيراً في إطالة أمدها دون الوصول إلى حلول نهائية. ويقول الأمين العام أن المواجهات العسكرية بين الحكومة وحركة العدل والمساواة بلغت أشدها الأمر الذي جعل بعثة (اليونميد) تواجه صعوبات جمة في ممارسة مهامها الأساسية لحماية المدنيين هناك وأن هذه الحالة تصاعدت بدرجة كبيرة في شهر مايو الماضي، في الوقت الذي تحدثت عنه تقارير حكومية بأن الأوضاع الأمنية قد تحسنت كثيراً خاصة بعد التطورات السياسية والدبلوماسية والأمنية التي حدثت في ملف العلاقات بين السودان وتشاد والاتفاق على قوة أمنية مشتركة بين السودان وتشاد تعمل على حماية الحدود وقفلها أمام كل المعارضين والحركات المسلحة التي تتخذ من الحدود المشتركة بين الدولتين مقراً لها لممارسة نشاطها العسكري والعدائي. وتشير إفادات عدد من الخبراء الأمنيين إلى أن التصريحات التي تصدر باستمرار من بعض منظمات المجتمع الدولي وتحديداً من الأممالمتحدة تعطى إشارات سالبة تغرى قادة الحركات بالاستمرار في هجومهم ومواقفهم المتناقضة مع حقيقة ما يجرى بدارفور. وكانت الأممالمتحدة نفسها قد أعترفت قبل عدة أسابيع أن دارفور شهدت إختراق كبير في مجال الأوضاع الإنسانية والأمنية الأمر الذي أدى إلى موجات عودة طوعية كبيرة شملت حتى اللاجئين السودانيين في دول الجوار وبالأخص في تشاد. والذين يتابعون أداء المنظمة الدولية إزاء ما يجرى في السودان عموماً يلحظون أن هناك حالة قصور وربما عدم التزام بكل ما تعهدت به المنظمة الدولية ومنظمات المجتمع الدولي الأخرى بتلبية واجباتها الإنسانية تجاه المدنيين والذين تأثروا بالنزاعات والصراعات المسلحة بدارفور، فالحكومة السودانية تتولى الآن مسؤوليات كبيرة في توفير كافة احتياجات عودة النازحين واستقرارهم وحماية أمنهم وتعمير ديارهم التي تأثرت بهذه النزاعات ولكن لم تكن استجابة المجتمع الدولي والمانحين بالقدر الذي يكافي حجم هذه الاحتياجات بدارفور. ويرى بعض المحللين والمتابعين لملف دارفور إن البعثة المشتركة في دارفور أسهمت بنسبة مقدرة في حماية المدنيين هناك، إلا إن ما تشهده بعض معسكرات النازحين من نزاعات داخلية وهجوم مسلح بين حركة عبدالواحد وبعض قياداته المنسلخة يستحق الإدانة الدولية ويستوجب على الأممالمتحدة وأمينها العام أن يحّمل حركة التحرير مسؤولية زعزعة الاستقرار بالمعسكرات لا أن يعطى الإشارات السالبة والتي يريد من خلالها تحميل الحكومة السودانية الجزء الأكبر من المسؤولية رغم أن المتابعات لما شهدته هذه المعسكرات في الأيام الفائتة تؤكد حقيقة تورط حركة عبدالواحد في هذا الهجوم على المدنيين بمعسكرات النازحين في الوقت الذي تجرى فيه الوساطة المشتركة اتصالات ولقاءات مكثفة مع زعماء حركتي العدل والمساواة والتحرير في محاولة لإلحاقهم بمنبر الدوحة باعتباره يشكل آخر المحطات التي يمكن أن ينتهي فيها السجال السياسي بين الحكومة وكل معارضيها في قضية دارفور ، ولكن الحركات ظلت تمارس أنواع وأشكال مختلفة من المناورات والمتناقضات في مواقفها بشأن التفاوض فتارة هي مع هذا المنبر وتارة أخر تطالب بتبديله بأخر وتحديداً القاهرة أو طرابلس وفي بعض الأحيان تأتي مطالب هذه الحركات برفض المشاركة مع أطراف وقيادات تعتقد أنه ليس لهم علاقة بملف دارفور وهذا ما تنفيه وقائع الحال. وبالنظر إلى تصريحات بان كى مون فأنها تعتبر مؤشر حقيقي لحالة متشائمة تحاول المنظمة تسويقها في المنابر الدولية إرضاءاً لبعض اللوبيات والمجموعات المعادية للسودان داخل مجلس الأمن ، وتوجهات الأمين العام لا يمكن النظر إليها بمعزل عن ما يجرى من عمليات تصعيد دولي ضد السودان ورمزه المشير عمر حسن أحمد البشير عبر المحكمة الجنائية الدولية .. فالأممالمتحدة كان ينبغي عليها أن تسعى في اتجاه أكثر حيادية وعقلانية في التعبير بمؤشرات حقيقية وموجبة قامت بها الحكومة السودانية في سبيل معالجة الأوضاع هناك باعتبار أن البعثة المشتركة لديها من الحقائق والبيانات والشواهد ما يكفى لإعطاء الحكومة حقها في التطور الإيجابي في ملف دارفور.