في ظل تركيز الأضواء على استفتاء مصير جنوب السودان، الحدث المفصلي الذي قد يترتب عليه تغيير خريطة السودان حسب ما تشير القرائن ما بعد التاسع من يناير المقبل، وعلى الرغم من ذلك؛ تظل قضية دارفور القضية المحورية التي ستتأثر حتمياً بنتيجة الاستفتاء، وربما يكون الثأثير الأكبر إضافة زيت الانفصال إلى نار دارفور المشتعلة أصلاً، لذلك تشهد قضية دارفور حراكاً مكوكياً على جميع المستويات (المحلية، الإقليمية والدولية) من أجل طي ملف القضية قبل نهاية هذا العام. هذا ما ظل يرد في خطابات رئيس الجمهورية المشير عمر البشير منذ العام قبل الماضي عند زيارته لنيالا في مارس من العام 2008م، وقال وقتها إن السلام بدارفور سيتحقق في العام 2010م، وأكده كذلك في خطابه الأخير أمام الهيئة التشريعية القومية الأسبوع قبل الماضي، على الرغم من أن الحيز الزمني بين المناسبتين يمتد لأكثر من (30) شهراً، فهل يَصْدُق حديث الرئيس بتحقيق السلام في الموعد الذي قطعه؟ كما أن الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي المفاوض د. عمر آدم رحمة أكد جدية الحكومة السودانية في الوصول إلى سلام دائم ونهائي بدارفور، ليس مرهوناً باتفاق مع حركات معينة. هذا النهج يأتي بناءً على الإستراتيجية الجديدة التي وضعتها الحكومة لتحقيق السلام بدارفور، التي تعتمد على إحلال السلام من الداخل عبر إشراك كافة المعنيين بالقضية في المفاوضات التي تجري بين الحكومة والحركات المسلحة بالعاصمة القطرية الدوحة. ولم يلتحق بمفاوضات الدوحة أكبر فصيلين من الحركات المسلحة بدارفور (العدل والمساواة بقيادة د.خليل إبراهيم، وحركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور) الأمر الذي نوّه إليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ودعا في تقريره الأخير الذي قدمه لمجلس الأمن حول بعثة الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد)؛ دعا الدول التي لها تأثير على تلك الحركات أن تشجعها بقوة على الانضمام إلى عملية السلام من أجل السكان الذين يزعمون أنهم يمثلونهم بحسب التقرير، وقال بان كي مون إن هناك «مؤشرات مشجعة» أظهرتها الإستراتيجية الجديدة للحكومة السودانية لتحقيق السلام في دارفور. وفي الأثناء تؤكد الوساطة المشتركة لسلام دارفور على لسان الوسيط جبريل باسولي؛ على أهمية أن يتحقق السلام بمشاركة كافة الأطراف دون عزل لأحد، ولتحقيق ذلك؛ جرت الأسبوع الماضي بمدينة نيالابجنوب دارفور مشاورات بين منظمات المجتمع المدني لاختيار جسم يمثل أهل دارفور ويحمل قضاياهم في مفاوضات الدوحة القادمة لسلام دارفور؛ لتوسيع قاعدة المشاركة بأكثر مما كانت عليه في المفاوضات السابقة، لكن شهد الاجتماع رفضاً من بعض الفعاليات للنسبة التي منحت لهم في الآلية المكونة من 150 شخصاً، لا سيما النازحين بمعسكرات الولاية، مما أدى إلى حدوث مشادات كلامية بين النازحين وممثلي الحركات الموقعة على السلام بدارفور من جهة، وقطاعات المجتمع المدني الأخرى التي تضم (منظمات وطنية، إدارة أهلية، وجامعات ومعاهد عليا) من جهة أخرى، بحجة أن النسبة التي منحت لهم داخل الآلية لا تتناسب مع العدد الكبير للنازحين في معسكرات الولاية، ومن ثم أعلن منبر أبناء دارفور للحوار والتعايش السلمي الذي شارك من قبل في مفاوضات الدوحة السابقة مقاطعته للمشاورات، بحجة أن الآلية التي تم تكوينها من (150) شخصاً لتختار من بينها (40) فرداً يمثلون الجسم التنفيذي لفعاليات المجتمع المدني؛ تمثل واجهات لحزب المؤتمر الوطني، رافضين فكرة تغيير الآلية السابقة التي شاركت في الدوحة (1و2)، واتهم بعض المشاركين في الاجتماع المؤتمر الوطني بأنه حاول إقصاء الذين حضروا الدوحة السابقة واستبدالهم بشباب وطلاب من الحزب، الأمر الذي ينذر بتكرار الأحداث الدامية التي شهدها معسكر كلمة للنازحين في مايو الماضي على خلفية مشاركة بعض النازحين في المفاوضات، واتهموا من قبل مجموعة النازحين بأنهم موالون للحكومة، فيما يرى مراقبون أن الخطوة تأتي في إطار مساعي الحكومة لسحب البساط من تحت الحركات المسلحة التي تزعم أنها تفاوض باسم أهل دارفور، في الوقت الذي تبذل فيه الحركات المسلحة جهوداً لتقوية مواقفها أمام الحكومة السودانية في حال الدخول في مفاوضات السلام المقبلة، فهناك مساعٍ لتكوين جبهة عريضة تضم عدداً من الحركات الرافضة للمفاوضات التي تجري بالدوحة، من أجل تنسيق مواقفها في السلم والحرب. وفي السياق كشفت المصادر عن اتصالات تجري بين رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، و مني أركو، وأبو القاسم إمام رئيس حركة تحرير السودان الأم؛ لإقناعهما بضرورة إعلان الحرب على الحكومة مجدداً، والاندماج في حركة واحدة، ووضع أيديهم فوق بعضها للضغط على الحكومة للقبول بشروطهم جميعاً، على الرغم من أن «مناوي» و«إمام» ظلا يؤكدان تمسكهما بالاتفاقيات التي وقعا عليها، أما حركة العدل والمساواة فهي الأخرى أكدت أنها لن تدخل في مفاوضات مع الحكومة إلا في إطار جبهة عريضة ستضم عدداً من الحركات المسلحة، منها حركة عبد الواحد محمد نور وبعض المنشقين من حركة التحرير والعدالة، في خطوة ظلت الوساطة تبذل جهوداً كبيرة لتحقيقها، لأن التوقيع على أي اتفاق دون أن يشمل كافة الحركات المسلحة؛ لن يكون مجدياً ومصيره سيكون أبوجا أخرى. لكن بعض المراقبين يرون صعوبةً في توحيد تلك الحركات، أو إدماج بعضها كما يسعى عبد الواحد نور؛ لجهة أن مناوى وإمام موقعان على اتفاق سلام، وإن عادا للحرب مرة أخرى ربما لن يحصلا على نصيبهما من «كيكة السلطة» كما هو الآن، أما العدل والمساواة فربما يقف توجهها الإسلامي حجر عثرة أمام إمكانية التوحد مع حركات يسارية، خاصة حركة عبد الواحد محمد نور، ولذلك تبقى حالة تشظي الحركات التحدي الكبير أمام تحقيق السلام بدارفور، في وقت ترى فيه الحكومة أن تحقيق السلام ليس بالضرورة أن يكون عبر توقيع الاتفاقيات مع جميع الحركات المسلحة، ولا تبحث الحكومة عن اتفاقيات مع الحركات دون النظر إلى تلبية تطلعات وطموحات أهل دارفور، الأمر الذي عبرت عنه الإستراتيجية الجديدة للحكومة.