مثل صدور قرار محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي لحل قضية أبيي في يوم 22 يوليو 2009م بداية دخول منطقة آبيي مرحلة تاريخية جديدة فرح بها الكثيرون باعتبارها حلاً توفيقياً وسطاً إلا أن البعض اعتبر القرار قنبلة موقوتة وأنه يحمل بذور عودة الصراع لأنه لم يعالج كافة المشاكل التطبيقية على الأرض وترك الباب مفتوحاً أمام قضايا معقدة للطرفيين دون حسم مما جعل كل طرف يظن أنه الكاسب الأمر الذي انعكس على سوء الأوضاع في المنطقة خاصة مع اقتراب موعد الاستفتاء والتي من المفترض أن يسبقها ترسيم الحدود في ظل عراقيل تضعها الحركة الشعبية الذي تعمل على تأخره إلى ما بعد الاستفتاء. ومن خلال هذا الاستطلاع مع القانونيين نخضع القرار التحكيم بعد عام من صدوره إلى مشرط التحليل والتقييم. وفى البدء يقول الأستاذ كمال الجزولي القانوني و الكاتب الصحفي المعروف أن هيئة التحكيم كان يفترض أن تستحضر معها مختصين من ذوي الخبرة على كافة المستويات القانونية والفنية قبل البت في القرار ولا سيما أن الحكومة دفعت أموال طائلة نظير إجراءات المحكمة، وأعتقد أن المسألة قابلة للانفجار في حالة اختلاف الطرفين ،أما أن تثار مسألة الرعاة فهذه مسألة طبيعية لأنهم في الغالب يتجولون حول المراعي الخضراء وفي فترات الجفاف يذهبون جنوباً نحو بحر العرب وهناك يزيد عن ال10 ملايين من الماشية فكيف لها الانتظار طوال فترات الجفاف إذن لابد أن يتحرك الرعاة في أي مكان تتوفر فيه احتياجاتهم. وفيما يختص بآبار النفط فهو يمثل أهمية للنخبة المثقفة من الطرفين وأهالي أبيي وما يجاورها من الرعاة والمزارعين ومن وجهة نظري أن المسألة في هذه النقطة تركت دون مراعاة لما يمكن أن تًحدثه من تجدد للنزاع ويدل ذلك على انعدام الدقة التي خرج بها القرار. الرعاة ثغرة وفى ذات السياق مضى الأستاذ المحامى كمال الأمين القيادي بالحركة الشعبية التغيير الديمقراطي قائلاً كان على المحكمين أن يراعوا طبيعة المنطقة خاصة تحركات رعاة المسيرية واعتقد أنها تمثل ثغرة في القانون لأن مصير الرعاة يصبح معلق إذا اتجهوا جنوباً ويصحبوا تحت رحمة الدينكا أو الجيش الشعبي. وفي تقديري أنه كان ينبغي على المحكمين أن يضعوا حلاً شاملاً كاملاً لكل جذور المشكلة. وثانياً ثغرة حقول البترول ستمثل عقبة في ترسيم الحدود وهذه كلها إشكاليات إذا لم تُحل بشكل قاطع تجعل هذا القرار غير نهائي ويمكن للحكومة أن تطالب أما بإلغائه أو تعديله على أقل تقدير وهذا شيء طبيعي ومتوقع أيضاً من الحركة الشعبية لأنها تعتقد أن هذه المنطقة تاريخياً تابعة للدينكا لذا تعمل على توتير الأجواء. وفى تقديري يجب على الحكومة أن تعمل على ترسيم الحدود قبل الاستفتاء لان الحركة درجت على مخالفة نصوص الاتفاقية والتي تنص بشكل واضح على أنه لا يجوز لأي طرف من أطراف الاتفاقية أن يعمل على إبطال أو إلغاء الاتفاقية ولا ننسى انسحابها الأول من الحكومة وعودتها مرة أخرى بعد أن اكتشفت خطأ قرارها .لذا تصريحات قادتها الأخيرة يدل على تنصلها من تكوين لجنة استفتاء أبيي لذلك على الحكومة السودانية أن تعمل على ترسيم الحدود في أبيي وكذلك على ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب قبل الاستفتاء حتى لا تدخل في مآزق تاريخية إذا حدث الانفصال ونحن نشدد على ذلك. أما الأستاذ عمر عبد الله الشيخ يعتبر ترك معالجة مشكلة الرعاة قنبلة موقوتة في أبيي ومشكلة رئيسية بين الدينكا والمسيرية وإعادة للنظرة التاريخية عن من الذي كان متواجداً أولاً في المنطقة. وأعتقد أن الحركة الشعبية عملت على تقليل عدد المسيرية في المنطقة وزيادة أعداد الدينكا وبالتأكيد يؤدي هذا إلى ضمان أن تكون نتيجة الاستفتاء لمصلحة انضمام أبيي للجنوب. أما عن حقول البترول التي تقع في وسط المنطقة والتي لم يتطرق لها القانون فاعتقد أن هذه المسألة أكثر أهمية لأنها تتعلق بالموارد المالية ولكن حلها أسهل لأنها ترتبط بترسيم الحدود وإذا تم الانفاق على ترسيم حدود المنطقة فلتذهب أبار البترول إلى من تقع في حدوده ، لأن اتفاقية نيفاشا في الأساس قائمة على حدود السودان الداخلية والخارجية منذ 1956. وحول أن قرار التحكيم لم ينصف أبيي ولم يرضي المؤتمر الوطني يقول الشيخ أن ألاعتراض غير مجدي لأن الشريكين وافقا عليه فالتحكيم يختلف عن المحاكمة. ويأتي رأى القيادي بالبعث العربي والمحامي وجدي صالح مخالفاً لمن سبقوه حيث يرى أن لجوء الطرفان إلى المحكمة كان من أساسه خاطئاً حيث كان من الممكن أن يتم التوصل إلى حل مناسب وبأفضل ما توصل له الطرفان من محكمة لاهاي. والخلاصة التي يمكن قولها أن الحكم كان حكماً توفيقياً أكثر مما هو حكماً قضائياً ومسألة الرعاة لا يمكن أن تؤثر بأي حال على ما جرى من حكم فالرعاة بطبيعة الحال يبحثون بحثاً عن الكلأ والمراعي الخضراء وهو عُرف متداول في جميع بقاع الأرض ولذا أعتقد أن المسألة ليست مسألة رعي أو رعاة ولكنها فى ترسيم حدود لان الكل يريد أن تنضم منطقة أبيي إليه وهذا ما أشرت إليه من توترات يقوم بها جيش الحركة الشعبية. ومن أجل ذلك نصت الاتفاقية على أن يتزامن الاستفتاء وترسيم الحدود مع الاستفتاء للجنوب وإذا اختارت أبيي على أن تكون جزءاً من الجنوب فلها ما أرادت وتصبح من الجنوب إذا وقع الانفصال كما هو العكس. القرار به مناطق رمادية ليست بيضاء ولا سوداء ويشخص د. إسماعيل حاج موسى القانوني مشكلة قرار أبيي بقوله أنه كان توفيقي بمعنى أن لجنة التحكيم التي عرض عليها الأمر لم تقم بإصدار قرار حاسم إنما خرجت فقط بقرار تصالحي لذلك كانت فيه ثغرات كثيرة جداً وأصبحت هنالك مناطق بالقرار تعتبر رمادية ليست بيضاء ولا سوداء لذلك فإن القرار لم يحل المشاكل وهنالك قانون صدر عام 2009 ينص باستفتاء أبيي وستكون مفوضية وبدورها يمكن أن تجاوب على كثير جداً من الأسئلة وإن منطقة أبيي كانت تعتبر نموذج للتعايش والثقافات المتنوعة في السودان وكانت مضرب مثل بالنسبة لصداقة المسيرية والدينكا لكنها الآن وللأسف أصبحت منطقة التماس فهي الآن تحتاج لأهتمام من السلطة سواء من السلطة التنفيذية أورئاسة الجمهورية فهي الآن أصبحت منطقة قابلة للاستئصال في أي وقت ربما يكون السبب لأن الأبناء لم يكونوا مثل الآباء لذلك فإن استفتاء أبيي أمر مهم جداً فينبغي بذلك عن الشريكين أن يقوموا بتهيئة الجو المناسب لإجراء استفتاء أبيي وأضاف أن القرار به ثغرات كثيرة ولم يضع النقاط فوق الحروف خاصة فى منطقة الوسط التى بها مناطق البترول . أما الأستاذ سعد الدين محمد حمدان المحامي فقد كان رأيه أن قرار المحكمة الدولية لابد أن يكون ملزم للطرفين وإذا حدث حوله خلاف فإنه يعود بالطرفين إلى المحكمة نفسها وأن ترسيم الحدود لابد أن يتم قبل الاستفتاء لأن الترسيم قبل الاستفتاء مهم جداً باعتبار أن الحدود بين الشمال والجنوب توجد بها قبائل متعايشة ليست كالحدود بين السودان ودول الجوار التي تفصلها فواصل طبيعية مضيفاً أن قرار المحكمة سواء كان منصف أو غير منصف فإنه يعتبر نهائي وملزم للطرفين، لذا أعتقد أن مسألة حقول البترول فى الوسط ينبغي أن تترك للجنة ترسيم الحدود و لكن الحركة الشعبية الآن تتخوف من أن يكون الترسيم قبل الاستفتاء أمر لازم لذلك فهي تتذرع بترسيم الحدود حتى تتمكن من إعلان انفصال الجنوب من داخل البرلمان. الأستاذ تيسير مدثر يرى ان القرار جاء مهماً في بعض بنوده وفي بعضها جاء غامضاً غير ما كان منتظراً من هيئة التحكيم وما يمكن أن يوصف به القرار أنه جاء ملتوياً ما أحدث بلبلة من عدم تفسيره إلى بعض النقاط مثار الخلاف. وحيث نجد أن الكل يفسر ما جاء على قرار الحكم حسب رغبته وهذا أمر معيب للأعراف القانونية إذ أن من أهم سمات الحكم أن يكون واضحاً في معناه وفي بنوده وفي حيثياته حتى يخلو من النقائض والنقائص. أما مسألة الرعاة فالحديث عنها صعب كصعوبة التخلي عن المراعي الخضراء ولا أرى عن تناول الحكومة لقرار المحكمة شيء يعاب فبعد تداول وجهات النظر اتضحت نقاط الخلاف أو الثغرات التي تناستها المحكمة.