هند أوهاج الأعياد... مساحات للسعادة ومناسبات لتجديد الذات والفرح الفطري... أيام لا تحتمل المآسي والدموع... نرمم فيها كل ما قامت الدنيا بإتلافه... إعادة التواصل مع ما انقطع من أحاسيس جميلة, صباح العيد.. عامر.. غامر لكل النفوس، له رائحة ومذاق خاص جداً ورائع, أيام بهذه القداسة والجمال ليس من الصائب تعكيرها وإعادة شريط الحزن خلالها لكن هذا ما يحدث في السودان... تجربة الموت لدى الميت بداية حياة جديدة وعند الأحياء فقد يضاف إلى مجموع الأوجاع حتى يأتي يوم يفقدون فيه الحياة نفسها ويصبحون ضمن الموتى. الأعياد والأموات... ثنائية يجب الجمع بينهما... في بعض مناطق السودان إذ نجد أن للميت يوم عيد أول وهو خارج الدنيا... لإعادة تعزية أهل الميت ومواساتهم... سياسة فتح الجرح مرة أخرى مع كل ما يصاحبه من ذرف للدموع وكثير من الأوجاع, وهي في الغالب عادة نسائية بحتة... فكرة مواصلة الأحزان (أول العيد) غاية البشاعة رغم حسن النوايا لكن نجد أنها مساحة تجدد الأحزان التى يجب أن تندمل. لأن الإنسان خلق ينسى ولا يوجد مبرر لتذكيره انه قد فقد عزيزاً وانه في هذا العيد لا وجود له فهو في عالم آخر. *عادة متوارثة: السوداني تناولت الظاهرة المتوارثة وهل هي تأتي ضمن الأشياء الروتينية التي تحدث عادة في السودان بالفطرة أم أنها ناتجة عن قناعات لدى هذا الأجيال الجديدة.. تحدثنا إلى عدد من النساء لنرى وجهات النظر والمغزى من هذه العادة.. والتقينا إقبال عبد الحي التي قالت إنها (عادات وتقاليد سودانية لا نستطيع التخلي عنها رغم أنها غير صحيحة فعندما نذهب إلى أهل الميت نعيد الأحزان ونجدد عليهم الفقد... في عيد رمضان اجتمعت كل عائلتي في منزل ابنة عمى لأن زوجها قد توفى قبل شهر رمضان) ونحن مازلنا نمارس هذا التقليد... عواطف إبراهيم تحدثت عن تجديد العزاء (أول العيد) عادة سيئة لكننا وجدناها ونشأنا عليها وانه لا بد من الذهاب إلى أهل الميت في أول عيد بعد موته وفى بعض الأحيان يموت شخص بعد العيد مباشرة فلا بد أن نذهب لهم في العيد المقبل أي بعد ما يقارب العام لمواساتهم أما إذا كان المتوفى من الأقارب فلا بد أن نذهب إلى أول العيد بدون زينة وبعد ذلك نتزين (فك الحد)... أما إخلاص حامد فهي صاحبة تجربه فقد توفى أبوها وأمها وأخوها على فترات متباعدة وتقول (بعد وفاة اى منهم جاء كل الأهل في أول العيد). وعن إحساسها تقول إن دخول الأهل علينا يجبرك على البكاء لكن بعد ذلك يصبح الأمر طبيعياً ونواصل اليوم بلا دموع لكن في كل الأحوال لا بد من أن يأتوا حتى يقفوا معنا فى مصابنا... وأعتقد انه مهم لمواساة من فقد الأعزاء في مثل هذا اليوم. *طقوس مصاحبة: أمنية ذات ال(18سنة) فقد توفى والدها في العام الماضي قالت (جاء كل الأهل في عيد رمضان وبدأوا في البكاء وحزنت لهذا وأحسست أن أبى قد توفى في تلك اللحظات وتمنيت لو أنهم لم يأتوا كان هذا سيكون أفضل من الإحساس الذى تملكنا لحظة بكائهم). تحدثنا إلى مها الجعلي التى قالت: (إن أول العيد مقسوم إلى جزأين؛ أول العيد لكل المتزوجين نذهب نبارك لهم أول عيد لهم داخل القفص الذهبي، وأول عيد للموتى نذهب إلى أهلهم لتعزيتهم. في رأيي الأول فيه بركة والثاني لا جدوى منه ونتمنى أن نبدأ في محاربته). العادات والتقاليد تجبرنا على التعامل مع مجموعة من التفاصيل التى لا فائدة منها ويجب محاربتها والخروج عنها، هذا العرف مضر للحالة النفسية ومربوط بزمن محدد وهو أيام العيد وهى مقدسة لا يجب إفسادها بتذكر الموت والأموات. ونجد أن الآراء تباينت حول تجديد العزاء يوم العيد عند النساء ومع وجوب إتباع طقوس وتفاصيل خاصة مرتبطة بهذا الطقس... سألنا الجانب الآخر في الموضوع والذي يعتبر الظاهرة خاصة بالنساء فقط.. قال محمد الأمين وهو تاجر بسوق ليبيا أن هذه العادة تصر على تكرارها وترديدها النساء ولا دخل للرجال بها. صحيح أن الرجال يحزنون لكن لا يعبرون عن حزنهم بمثل هذه الطلاقة... وهي عادات بالية يجب أن تنتهي... إذ أن من واجب الأقارب إبعاد الذكريات الحزينة عن أهل الفقيد بإلهائهم بموضوعات وبرامج أخرى بعيدة عن الحزن والوجع... لكن هذا ربما يكون نفسياً أصوب وأفضل. *ثورة ضد التقاليد: خالد ابوبكر الطالب بكلية علم الاجتماع ارجع الأمر إلى انقياد المجتمع السوداني وراء العادات والتقاليد دون التفكير في نفعها أو ضررها، مضيفاً انه يجب على الجيل الجديد أن يثور ضد هذه العادات وهي كثيرة. وشاركته الرأي زميلته رانيا حيدر، مضيفة أن درجة تعليم المرأة يجب أن تنعكس على تصرفاتها، وقالت إن السودانيين صحيح أنهم يتميزون بدرجة حنية عالية لكنهم يميلون إلى الأحزان ويحبذون دائماً أن يربطوا كل مناسباتهم السعيدة مثل الأعياد والزواج لحظة عقد القران وغيرها من مناسباتهم بالأحزان وتذكر الأهل من الذين فقدوهم لكني اعتقد انه جاء الوقت لان نركز على صحة الإنسان بعيداً عن التقاليد والعادات التي تضر ولا تنفع وأولها درجة الحزن العالية التي تؤدي إلى الاكتئاب أحياناً. السوداني