يمثل الحزب الديمقراطي أحد الحزبين الرئيسيين في الولاياتالمتحدة بجانب الحزب الجمهوري، ويعتبر أقدم حزب سياسي مستمر في العمل السياسي بل ومن أحد أقدم الأحزاب السياسية في العالم، وتعود أصوله إلى ما كان يسمى بالحزب (الجمهوري-الديمقراطي) الذي تأسس عام 1792م على يد توماس جيفرسون وجيمس ماريسون. ويرجع تأسيس الحزب الديمقراطي للعام 1798م على يد الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون المعارض للنزعة الفيدرالية في السياسة الأمريكية، ثم تشكل باسمه الحالي تحت قيادة الرئيس آندو جاكسون، الذي ناصر مبادئ جيفرسون عند انقسام أعضاء الحزب في عهده (1829-1838)، ويتخذ الحزب الديمقراطي صورة الحمار شعاراً له (تعبيراً عن الصبر). وعرف الحزب بعد ذلك بالفكر المحافظ وارتبط بحماية مؤسسة العبودية قبيل الحرب الأهلية الأمريكية التي نشبت عام 1866، فأصبح ممثلاً لتيارات الليبرالية ومناصراً للنقابات العمالية والتدخل الحكومي في الاقتصاد، ولا زال الحزب مرتبطاً بما يسمى بالأفكار التقدمية إلى اليوم، ويصنف على أنه من أحزاب الوسط، ويتميز الحزب بود الكثير من الأقليات في الحزب الديمقراطي سواء كانت عرقية كالأميركيين من أصل إفريقي أو دينية المسيحيين واليهود أو اجتماعية كطبقة من العمال البيض والمثقفين والجامعيين والصحفيين والفنانيين، كما يحظى بتصويت أغلبية المثليين. فاز الحزب منذ تأسيسه بخمسة عشر استحقاقاً رئاسياً خلال تولى (7) رؤساء ديمقراطيون الرئاسة الأمريكية خلال القرن العشرين. وقد ظل البيت الأبيض مشغولاً بالديمقراطيين طوال فترة (20) عاماً وذلك من 1933-،1953 واستعاد الحزب في العام 2006م سيطرته في مجلس الشيوخ والكونغرس بسبب ارتفاع الأصوات المعارضة للحرب على العراق، وقد تولى زعامة الأغلبية زعيمة النواب الديمقراطيين نانسي بيلوسي وبذلك تكون أول امرأة تترأس الكونغرس الأمريكي. العلاقات السودانية الأمريكية ترجع خلفية العلاقات الأمريكية السودانية الى 1908م عندما وجه القس الإنجيليكاني غردون دعوته للكنيسة المشيخية المتعددة في أمريكا، والذي وجد صداه في مجئ الأب قويني إلى الاستوائية والذي مثل أولى محطات التواصل الأمريكي مع السودان. وفي عام 1911م قام الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت بزيارة إلى ملكال ضمن جولته الافريقية التي قام بها إبان حكمه. غير أن الاهتمام الأمريكي السياسي الفعلي بالسودان يعود إلى عهده الرئيسي (الجمهوري) إيزنهاور (1952م-1960م). وقد مثل الضغط الأمريكي على بريطانيا للقبول باستقلال السودان تحت التاج المصري كثمن لدخول القاهرة في مشروع الشرق الأوسط الكبير المناهض للشيوعية، الذي أدى إلى تسريع خطوات نيل السودان لاستقلاله في العام 1956م. علماً بأن اعتراف الصين الشيوعية باستقلال السودان وترحيب الخرطوم بذلك مثل أولى محطات التوتر المبكر للعلاقة بين الخرطوموواشنطن، إلا أن اتفاقية المعونة الأمريكية التي وقعها الفريق عبود بعد (10) أيام من استلامه السلطة في 17 نوفمبر 1958م مثلت أولى محطات التعاطى الإيجابي في العلاقة بين البلدين. علماً بأن الاتفاقية أعطت مؤشراً مبكراً على الأهمية الحيوية للسودان في الاستراتيجيات الأمريكية، وتمثل ذلك في كثافة الزيارات التي قام بها المبعوثون الأمريكان إلى الخرطوم وعلى رأسهم نائب الرئيس آنذاك ريتشارد نيكسون. والمعلوم أن قبول السودان بالاتفاقية جاء نتيجة لحصار اقتصادي أمريكي (مستتر) تم فور نيل الاستقلال بإغراق القطن آنذاك مما أحدث أزمة اقتصادية طاحنة خلال الفترة (1956-1958) ،وقد صاحبت الموافقة على اتفاقية المعونة أحداث خارقة ظلت تلازم الحياة السياسية في السودان حتى الآن. إلا أنه في العام 1967م تم قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن عقب سقوط نظام عبود بعد خروجه من الدائرة الأمريكية وانحيازه لمصر وجمال عبد الناصر ودول عدم الانحياز وتعاونه مع الاتحاد السوفيتي إثر ثورة أكتوبر. وكررت واشنطن محاولتها للإمساك بالسودان مرة أخرى بعد ذهاب عبود، فلم تعارض انقلاب نميري عام 1969م بل باشرت احتوائه منذ مطلع 1972م إثر دحره الشيوعيين في يوليو 1971م مخالفاً غرباً باستعادته لعلاقاته مع المانياالغربية في 23/12/1971م مخالفاً بذلك توجهات جمال عبدالناصر آنذاك. وقد مهدت المخابرات الألمانية لإستعادة السودان علاقاته المقطوعة مع أمريكا في 25 يوليو 1972م. ولكن لم تستمر الهيمنة الأمريكية طويلاً بسبب اتجاه النميري للتصالح مع المعارضة إثر غزو الخرطوم في الثاني من يوليو 1976م، وتعاون نظام نميري لاحقاً مع اللوبي النفطي بمبادرة من بوش الأب (الذي كان حينها سفير بلاده في الأممالمتحدة) واكتشفت سيفرون النفط بكميات تجارية عام 1979م بموجب اتفاق تم في 23/11/1974م منحت بموجبه امتياز التفتيش في مساحة 516 ألف كيلومتر مربع. وفي العام 1980م منحت شركة توتال الفرنسية حق التنقيب عن النفط، ثم تبع ذلك أحداث المجاعة في دارفور وشرق السودان، إلا أنه في العام 1983م شهد إعلان قوانين الشريعة الإسلامية التي تزامنت مع تمرد الحركة الشعبية في نفس العام مما أدى إلى تراجع الدعم الأمريكي لنميرى وسقوطه في العام 1985م عقب زيارة نائب الرئيس بوش للخرطوم وشرق السودان بمعية 150 من قساوسة الكنائس الإنجليكانية في أمريكا. وخلال فترة الديمقراطية الثالثة 1986م-1989م بات واضحاً ان واشنطن قد زهدت في تكرار دعم حكم الطائفية السياسية الرئيسية في الشمال. وقد بلغت ذلك الأمر ذروته بالضغط لتوقيع اتفاق شريان الحياة للإغاثة قبل ثلاثة شهور من قيام ثورة الإنقاذ الوطني. تطورات العلاقات الأمريكية السودانية (1989 – 2008م) تسلمت ثورة الإنقاذ الوطني الحكم في 30 يونيو 1989م إثر الهزائم المتتالية التي تعرض لها الجيش في الجنوب والنيل الأزرق وتعثر مبادرات السلام المطروحة آنذاك، وأرجع بعض المفكرين ذلك إلى كف واشنطن عن دعم الطائفية السياسية إنفاذاً لتوصيات تقرير أعده البنتاغون بعنوان (المضاعفات الإقليمية والإستراتيجية لعدم الاستقرار في السودان) رشح فيه الحركة الإسلامية (المعتدلة والمنفتحة) كخيار يعتمد عليه في تحقيق استقرار السودان، ومرت تطورات الخلافة بين البلدين منذ 1989م بثلاثة مراحل وهي: أ. 1989 – 1992م فترة جس النبض. ب. 1993 – 1999م فترة الضغط الكثيف. ج. 2007 – 2008م التعاطي الايجابي. ومرت مرحلة جس النبض دون مشاكل ليواجه السودان في صيف 1993م حملة شرسة ابتدرت بوضعه على قائمة الدول الراعية للإرهاب، ثم تطورت الحملة في العام 1996 ليتبنى مجلس الأمن الدولي اقتراحاً أمريكياً بفرض عقوبات اقتصادية على خلفية محاولة اغتيال الرئيس المصري مبارك، وتم إغلاق السفارة الأمريكية في الخرطوم متزامنة مع عقوبات اقتصادية أمريكية. وفي مطلع العام 1997م وبدعم أمريكي تنطلق من يوغندا، أثيوبيا واريتريا حملة عسكرية ضخمة تجتاح الحدود السودانية دون تحقيق نتائج تذكر، ثم تتكثف الضغوط في العام 1998م حيث وصفت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس نشاط المراحيل في بحر الغزال بالإبادة الجماعية، وعقب ذلك قصف مصنع الشفاء في أغسطس. بدأت مرحلة التعاطي الايجابي في ديسمبر 1999م عقب إعلان حالة الطوارئ، حيث جاء رد الفعل الأمريكي مكتفياً بحث الخرطوم بالعمل على إنهاء الحرب الأهلية وأن توقف تأييدها للإرهاب، ثم في العام 2000م عاد القائم بالأعمال إلى الخرطوم وبدأ التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب وفي ذات الوقت عرقلت واشنطن جهود السودان للترشيح لعضوية مجلس الأمن الدولي. وفي مطلع العام 2001م وعقب تولي بوش الرئاسة أعيد فتح السفارة السودانية في واشنطن ورفعت بالمقابل الخرطوم الحظر عن زيارة المسئولين الأمريكان، كما تمت تسمية السفير شيستي كروكر مبعوثاً رئاسياً للسودان قبل اعتذاره وتعيين القس السيناتور جون دانفورث بديلاً، ومن الأشياء المهمة في الولاية الأولى للرئيس بوش وقف إطلاق النار في جبال النوبة وإطلاق مبادرة أمريكية لإنهاء الحرب الأهلية التي أفضت إلى توقيع اتفاق نيفاشا. وعند اندلاع أزمة دارفور أثمرت الجهود الأمريكية في الوصول إلى سلام أبوجا في العام 2006م قبل أن تبدأ مرحلة جديدة من الضغط الكثيف العام 2007م متزامنة مع تعيين وليامسون مبعوثاً رئاسياً للسودان، وهو الذي دعا في تقريره الختامي إلى فرض إجراءات أكثر خشونة ضد الحكومة السودانية لفشلها في تحقيق السلام في دارفور. العلاقات في عهود الديمقراطيين رغم تزامن استقلال السودان بعهد الجمهوريين إلا أن ذلك يرجع لمبادرة الرئيس الديمقراطي ترومان بالضغط على البريطانيين لنيل السودان لاستقلاله تحت التاج المصري كثمن لقبول القاهرة الدخول في هذه حلف (الشرق الأوسط الكبير)، إلا أن الجمهوريين سعوا للإمساك بالوضع في السودان منذ البداية عن طريق الضغط الاقتصادي، ومن ثم تقديم المعونة الإنسانية التي اصطدمت برفض شديد من قبل القوى السياسية ما عدا حزب الأمة، الأمر الذي أدى إلى تسلم الفريق عبود السلطة وقبوله بالمعونة الأمريكية متزامناً ذلك مع وصول الرئيس الديمقراطي جون كنيدي إلى البيت الأبيض. ومثلت زيارة الفريق عبود التاريخية إلى واشنطن عام 1961م بدعوة وإشراف شخصي من الرئيس كنيدي محطة مهمة في تاريخ العلاقة ظهرت بصماتها حينها بشكل واضح في مشاريع المعونة في مجال البنى التحتية، قبل أن تتدهور العلاقة بسبب اتجاه عبود نحو المعسكر الشرقي متزامناً مع طرد المبشرين من الجنوب عام 1962م. وفي فترة الرئيس الديمقراطي كارتر من (1977-1980م) والذي اهتم بملفات الشرق الأوسط وإيران أكثر من اهتمامه بالملف السوداني، رغم أن في عهده اكتشفت شركة شيفرون النفط بالسودان الذي لم تحفل به واشنطن حينها كحدث بالصورة التي تناسبه، علماً بأن تحرك شيفرون تم بمبادرة من الجمهوريين. وشهدت العلاقات خلال فترة الولاية الأولى لعهد الرئيس الديمقراطي كلنتون (1993-1997م) تدهوراً شديداً، حيث مارست واشنطن كافة أنواع الضغوط على الخرطوم ابتداءً من وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، مروراً بفرض عقوبات اقتصادية وصولاً إلى محاولة إسقاط النظام عبر عمل عسكري انطلاقاً من الجوار عام 1997م ومن ثم ضرب مصنع الشفاء، وتم قطع العلاقات الدبلوماسية. ومن المهم الإشارة إلى أن تلك الفترة شهدت تعرض المصالح الأمريكية في أجزاء من العالم الهجمات من قبل القاعدة، بلغت ذروتها في تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام في الوقت الذي خرج فيه بن لادن لتوه من السودان خلال الولاية الثانية للرئيس كلنتون (1997 – 2001م). وعقب إعلان حالة الطوارئ في ديسمبر 1999م بدأت العلاقات تتحسن تدريجياً حيث عاد القائم بالأعمال إلى الخرطوم وتم تدشين تعاون أمني في مجال مكافحة الإرهاب وتم تسمية السفير كروكر كأول مبعوث رئاسي للسودان (قبل أن يعتذر لاحقاً) في إشارة لافتة لتعاطي أمريكي إيجابي تجاه السلام في السودان، ورغم تلك الخطوات الايجابية قامت واشنطن بعرقلة ترشيح السودان لعضوية مجلس الأمن الدولي. وختاماً ظل السودان بمزاياه الجيوستراتيجية حاضراً في كل الإستراتيجيات الأمريكية الخاصة بالسيطرة على قلب العالم في الشرق الأوسط. ويظل ملف العلاقات السودانية الأمريكية يتأرجح سلباً وإيجاباً تبعاً لحاجة المصالح الأمريكية وسلوك الخرطوم تجاه تلك الحاجة، وتجدر الإشارة إلى معظم اتفاقيات السلام وعمليات الإغاثة الإنسانية الضخمة في السودان ارتبطت بعهود رؤساء جمهوريين ما عدا المعونة الأمريكية في عهد كنيدي. وتظل العلاقات السودانية المصرية حاضرة ومؤثرة على طبيعة العلاقة بين واشنطنوالخرطوم على مر العهود، وتأتي خيارات تحركات أوباما تجاه السودان استناداً على مبادئ الديمقراطيين واستحقاقات الشرق الأوسط الكبير، وقد تتجه نحو تأسيس سودان كونفدرالي علماني في ظل وجود مستدام لقوات متعددة الجنسيات. ويتطلب من السودان التعامل مع أمريكا من خلال الإحاطة والتحليل المستدام لإستراتيجيات التحرك الأمريكي الدولي، والتقييم الدوري للعلاقات الثنائية مع مصر والعمل على تقويتها، إضافة لتفعيل أدوار الدبلوماسية الشعبية والرسمية في دول الجوار لصيانة استحقاقات الأمن الوطني، بجانب مراجعة وتقوية الوجود السوداني من خلال التمثيل والوظائف في المنظمات الدولية والإقليمية السياسية والأمنية. وبالتأكيد يتطلب هذا من السودان أن يضع إستراتيجية لأدوار مستقبلية بحجم وزن السودان في فض النزاعات ودرء الكوارث، وأخيراً تهيئة الأوضاع وحشد الدعم الإقليمي والدولي لاستضافة الخرطوم لمقار المنظمات دولية وإقليمية وذلك استناداً على حقائق الجغرافيا والتاريخ.